ص : ١٩١
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة : ٧١].
وأما الموالاة بمعنى المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، مع عدم الرضا عن حالهم فذلك غير منهيّ عنه، والموالاة لهم بمعنى الرضا بكفرهم ومصاحبتهم لذلك كفر، لأنّ الرضا بالكفر كفر، فلا يبقى المرء مؤمنا، مع كونه بهذه الصفة.
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ حال من الفاعل، أي متجاوزين المؤمنين إلى الكفار استقلالا أو اشتراكا. فالظرف لا مفهوم له، لأنّه لبيان الواقع، فقد ورد في قوم مخصوصين حصلت منهم الموالاة للكفار دون المؤمنين، وقيل : الظرف في حيّز الصفة لأولياء.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الاتخاذ، وإنما عبّر بالفعل للاختصار، أو لإبهام الاستهجان بذكره، وجواب الشرط فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وفي الكلام حذف مضاف، أي فَلَيْسَ مِنَ ولاية اللَّهِ فِي شَيْءٍ أو من دين اللّه، وتنوين شَيْءٍ للتحقير، وذلك لأنّ موالاة المتضادين لا تكاد توجد.
قال الشاعر :
تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني صديقك، ليس النّوك عنك بعازب
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، والعامل فيه لا يَتَّخِذِ فلا تتخذوهم أولياء في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم.
وقيل : استثناء مفرّغ من المفعول لأجله، فالمعنى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء لشيء من الأشياء إلا للتقية مِنْهُمْ من جهتهم، تُقاةً مفعول به، أي شيئا يتّقى منه، فالجار والمجرور حال من تقاة، حيث تقدّم عليها، والمعنى :
إلا أن تتقوا شيئا يتّقى منه حاصلا من جهتهم، كالقتل وسلب المال مثلا أو تُقاةً بمعنى اتقاء، فتكون مفعولا مطلقا، وتُقاةً متعلقة به في مكان المفعول الأول، والمفعول الثاني محذوف للعلم به، وعدّي بمن، لأنه بمعنى خاف، فالمعنى إلا أن تخافوا منهم ضررا خوفا.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ إي عقاب نفسه، وفي ذلك تهديد عظيم مشعر بتناهي الاتخاذ في القبح، حيث ربط التحذير بنفسه، لأنه لو حذف وقيل : ويحذركم اللّه، فإنه لا يفيد صدور العقاب من اللّه، بل يحتمل أن يكون منه تعالى، وأن يكون من غيره. فلمّا قال : نَفْسَهُ علم أنّه صادر منه تعالى، وذلك أعظم أنواع العقاب لكونه تعالى قادرا على ما لا نهاية له، ولا قدرة لأحد على رفعه أو منعه مما أراد.
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ المرجع، والإظهار لتربية الروعة والمهابة في النفوس، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها.


الصفحة التالية
Icon