ص : ١٩٧
لما ذكر اللّه فضائل البيت أردفه بذكر إيجاب الحج، وفي قوله : مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وجوه من الإعراب لا نتعرض لذكرها.
والمعنى : أن اللّه جلت قدرته أوجب على عباده أن يحجوا إلى بيته متى تيسّر لهم الوصول إليه، ولم يمنعهم من الوصول إليه مانع، سواء أكان بدنيا أم ماليا أم بدنيا وماليا معا.
فالبدني كالمرض والخوف على النفس من العدو ومن السباع، وعلى الجملة ألا يكون الطريق مأمونا.
والمالي كفقد الزاد والراحلة إذا كان ممن يتعسّر عليهم الوصول إلى البيت إلا بزاد وراحلة، والذي يجمعها فاقد الزاد والراحلة، والمريض، أو الذي لا يأمن الطريق.
وقد اتفق الأكثرون على أنّ الزاد والراحلة شرطان داخلان في الاستطاعة، ويؤيد شرطيتهما ما رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه فسّر استطاعة السبيل بالزاد والراحلة.
فقد روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«من ملك زادا وراحلة تبلغه بيت اللّه، ولم يحجّ، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» «١»
وذلك أن اللّه تعالى يقول في كتابه : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
وروي عن ابن عمر قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قوله تعالى : قال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال :«السبيل الزاد والراحلة» «٢».
وروى عطاء عن ابن عباس قال : السبيل الزاد والراحلة، ولم يحل بينه وبينه أحد.
فأنت ترى من هذه الأخبار أن الزاد والراحلة من السبيل الذي ذكره اللّه تعالى، ومن شرائط وجوب الحج.
وقد يقول قائل : إنّ اللّه تعالى يقول : مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقد بيّن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم السبيل أنه الزاد والراحلة، فيلزم ألا يجب الحج على من كان بينه وبين البيت مسافة يسيرة، ويمكنه الذهاب إلى البيت ماشيا.
ولكنا نقول : إن اللّه سبحانه وتعالى لما قال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وهو عامّ في القريب والبعيد، قد لا يتيسّر له الحج، قال : مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أي أنّ
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ١٧٧)، كتاب الحج، باب ما جاء في إيجاب الحج حديث رقم (٨١٣) وابن ماجه في السنن (٢/ ٩٦٧)، كتاب المناسك، باب ما يوجب الحج حديث رقم (٢٨٩٦).