ص : ٢٠٠
هذا ملخّص كلام الجصّاص.
ولكنّ المعروف في مذهب الشافعي أنّ العبد إذا حجّ لم تجزئه حجته عن حجة الإسلام إذا عتق.
ولعلّ خلاف الشافعي فيمن أحرم بالحج، ثم عتق وهو واقف بعرفة، أو قبل الوقوف بها فإن حجه يجزئه عن حجة الإسلام، خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي اللّه عنهما. أما إذا كان العتق بعد فوات الحج، فإنه لا يجزئه، قال النووي من الشافعية :
وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال العلماء كافة.
ثم إنّ الحج لا يجب إلا مرة واحدة، لأنّه ليس في الآية ما يوجب التكرار، وقد روي عن ابن عباس أنّ الأقرع بن حابس سأل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : يا رسول اللّه الحجّ في كل سنة أو مرة واحدة فقال :«بل مرّة، فمن زاد فتطوع» «١».
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ قيل : إنّ هذا الكلام مستقلّ بنفسه، وهو وعيد عام لكلّ من كفر باللّه، ولا تعلّق له بما قبله.
وقيل : إنه متعلّق بما قبله، ومن القائلين بهذا من حمله على تارك الحجّ، ومنهم من حمله على من لم يعتقد وجوبه.
فأما الذين حملوه على تارك الحج فقد عوّلوا على ظاهر الآية، حيث أوجب اللّه الحجّ، ثم أتبعه بقوله : وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ففهم منه أنّ هذا الكفر هو ترك ما تقدم، واستندوا إلى ما
ورد من قوله عليه الصلاة والسّلام :«من استطاع ومات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا».
وعن سعيد بن جبير : لو مات جار لي وله ميسرة، ولم يحجّ لم أصلّ عليه.
وتأويل هذه الأخبار عند الجمهور أنّ الغرض منها التنفير من ترك الحجّ، والتغليظ على المستطعين، حتى يؤدّوا الفريضة، فهو نظير
قوله عليه الصلاة والسلام :«من أتى امرأة حائضا في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد».
واستدلّ الأكثرون لمذهبهم بما
روي عن الضحاك في سبب النزول قال : لما نزلت آية الحجّ، جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أهل الملل مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين وقال :«إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ فحجوا البيت»
فلم يقبله إلّا المسلمون، وكفرت به خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي