ص : ٢٠٢
له عندي ضعف درهم لزمه درهمان، وله عندي ضعفا درهم لزمه ثلاثة دراهم.
كان الرجل في الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل، فإذا حل الأجل، ولم يكن المدين واجدا لذلك المال، قال : زد في المال وأزيدك في الأجل، فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثاني، فعل مثل ذلك، إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها. فهذا هو المراد من قوله تعالى : أَضْعافاً مُضاعَفَةً وليست هذه الحال لتقييد المنهيّ عنه : حتى يكون أصل الربا غير منهي عنه، بل لمراعاة الواقع، وللتشنيع عليهم، بأن في هذه المعاملة ظلما صارخا، وعدوانا مبينا، واحتجّ بهذا نفاة مفهوم المخالفة، القائلون بأن المخصوص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.
وأجيب بأنّ من شرط مفهوم المخالفة ألا يكون للمذكور فائدة غير التخصيص بالحكم، ومتى ظهرت له فائدة سوى التخصيص بالحكم بطل وجه دلالته عليه، والوصف بالتضعيف قد ذكر هنا لبيان الواقع كما تقدم، فظهرت له فائدة غير التخصيص بالحكم، فانتفى شرط العمل بمفهوم المخالفة هنا لذلك.
وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما نهيتم عنه، ومن جملته أكل الربا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لكي تفلحوا، أو راجين الفلاح، فمن أكل الربا ولم يتق اللّه لا يرجى فلاحه، وهذا تنصيص على أن الربا من الكبائر لا من الصغائر.
وَاتَّقُوا النَّارَ أي احذروها بالتحرّز عن أكل الربا المفضي إلى دخول النار، الَّتِي أُعِدَّتْ هيئت لِلْكافِرِينَ النار مخلوقة للكافرين معدّة لهم أولا وبالذات وغيرهم من عصاة المؤمنين يدخلها على وجه التبع، وفي ذلك إشارة إلى أن أكلة الربا على شفا حفرة الكافرين. روي عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه أنه كان يقول : إن هذه الآية هي أخوف آية في القرآن، حيث أوعد اللّه المؤمنين بالنار المعدّة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه.
وتدل هذه الآية على أن النار مخلوقة الآن، لأنّ قوله تعالى : أُعِدَّتْ إخبار عن الماضي، فلا بد أن يكون ذلك الشيء المعدّ قد دخل في الوجود.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) لمّا ذكر الوعيد ذكر الوعد بعده على ما هو العادة المستمرّة في القرآن الكريم.


الصفحة التالية
Icon