ص : ٢٠٣
من سورة النساء
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)
قوله جلّ شأنه : وَبَثَّ مِنْهُما معناه : نشر، وفرّق منهما على سبيل التناسل والتوالد. وقوله : تَسائَلُونَ بِهِ معناه : يسأل بعضكم بعضا به، مثل : أسألك باللّه، وأنشدك اللّه، والمفاعلة على ظاهرها، أو بمعنى تسألون كثيرا. الرقيب : الحفيظ المطلع العالم.
يأمر اللّه المكلّفين جميعا بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، مما يتعلّق بحقوقه، وحقوق عباده، ويتناول ذلك بعمومه ما سيذكر في السورة بعد من صلة الأرحام، ورعاية حال الأيتام والعدل في النكاح والميراث، إلى غير ذلك.
ولقد أكّد اللّه الأمر بالتقوى بما يحمل المخاطبين على الامتثال، فذكر اسمه بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين، ووصف نفسه بأنه خالقهم، وأنّ مبدأ خلقهم نفس واحدة، وأنه خلق منها زوجها، ونشر من الزوجين رجالا كثيرا ونساء، كلّ ذلك بما يؤيد الأمر، ويؤكّد إيجاب الامتثال، فإنّ الاستعمال جار على أن الوصف الذي علّق به الحكم علة موجبة له، وداعية إليه، ولا شك أنّ ما ذكر يدلّ على القدرة القاهرة، والنعمة الجسيمة، والمنة العظيمة، والقدرة توجب التقوى حذرا من العقاب، والنعمة تدعو إليها طلبا للمزيد، ووفاء بالشكر الواجب.
وفي الامتنان بخلقنا من نفس واحدة ما يوجب الحرص على امتثال الأوامر الآتية، فإنه جلّ شأنه ذكر عقيب الأمر بالتقوى الأمر بالإحسان إلى اليتامى والنساء والضعفاء، وكون الناس بأسرهم مخلوقين من نفس واحدة له أثر في هذا المعنى بليغ، ذلك لأنّ الأقارب لا بد أن يكون بينهم نوع مواصلة ومخالطة توجب مزيد المحبة، ألا ترى أن الإنسان يفرح بمدح أقاربه وأسلافه، ويحزن بذمهم والطعن فيهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام :«إنما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها» «١»