ص : ٢١١
وقع، وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء الشّذاذ المخالفين.
وتمسّك الإمام مالك بظاهر هذه الآية في مشروعية نكاح الأربع للأحرار والعبيد، فالعبيد داخلون في الخطاب بقوله تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ إلخ. فيجوز لهم أن ينكحوا أربعا كالأحرار، ولا يتوقف نكاحهم على الإذن، لأنهم يملكون الطلاق، فيملكون النكاح.
وذهب الحنفية والشافعية إلى أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين، لما روى الليث عن الحكم قال : أجمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين، قالوا : والخطاب في قوله تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ لا يتناول العبيد، لأنه إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها، والعبد ليس كذلك، لأنه لا يجوز نكاحه إلا بإذن مولاه،
لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» «١»
، ولأن في تنفيذ نكاحه تعييبا له، فلا يملكه دون إذن المولى.
وأيضا قوله تعالى بعد : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ لا يمكن أن يدخل فيه العبيد، لعدم الملك، فحيث لم يدخلوا في هذا الخطاب لم يدخلوا في الخطاب الأول، لأن هذه الخطابات وردت متتالية على نسق واحد، فبعيد أن يدخل في الخطاب السابق ما لا يدخل في اللاحق.
وكذلك لا يمكن دخولهم في قوله تعالى : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء : ٤] والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر، بل يكون لسيده فيكون الآكل السيّد لا العبد.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا المراد بالعدل هنا العدل بين الزوجات المتعددات، كما صرّح بذلك في قوله تعالى : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء : ١٢٩] كأن اللّه تعالى لما وسّع عليهم بقوله : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أنبأهم أنه قد يلزم من الاتساع خوف الميل، فالواجب حينئذ أن يحترزوا بالتقليل، فيقتصروا على الواحدة، والمعنى : فإن خفتم ألا تعدلوا بين النساء المتعددات في عصمتكم، كما خفتموه في حق اليتامى، فاختاروا أو فالزموا واحدة، أو أي عدد شئتم من السراري من غير حصر، لقلّة تبعتهنّ، وخفّة مؤونتهنّ، وعدم وجوب القسم فيهنّ.
وعلى هذا التأويل : يكون المراد من اختيار الإماء اختيارهن بطريق التسرّي، لا

(١) رواه أبو داود في السنن (٢/ ١٩٠)، كتاب النكاح حديث رقم (٢٠٧٨)، والترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٤١٩)، كتاب النكاح حديث رقم (١١١١).


الصفحة التالية
Icon