ص : ٢١٦ وقال بعضهم : لأن أترك مالا يحاسبني اللّه عليه خير من أن أحتاج إلى الناس.
وقال قيس بن سعد : اللهم ارزقني حمدا ومجدا فإنّه لا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال.
وقيل لأبي الزناد : لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال : هي إن أدنتني منها فقد صانتني عنها، وفي منثور الحكم : من استغنى فقد كرم على أهله، وكانوا يقولون : اتّجروا واكتسبوا، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم فيه كان أول ما يأكل دينه.
وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ أي اجعلوا أموالكم مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتّجروا فيها حتى تكون نفقتهم من الربح لا من صلب المال، لئلا يأكله الإنفاق، وهذا ما يقتضيه جعل الأموال نفسها ظرفا للرزق والكسوة، ولو قيل (منها) لكان الإنفاق من نفس المال.
وفي الآية دلالة على وجوب الحجر على المبذّرين من وجهين :
أحدهما : منعهم من أموالهم :
والثاني : إجازة تصرفنا عليهم في الإنفاق عليهم من أموالهم، وشراء أقواتهم وكسوتهم.
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً كل ما سكنت إليه النفس لحسنه شرعا أو عقلا من قول أو عمل فهو معروف، وكل ما أنكرته النفس لقبحه شرعا أو عقلا فهو منكر، فالمراد بالقول المعروف هنا الكلام الذي تطيب به نفوسهم، كأن يقول الولي لليتيم : مالك عندي، وأنا أمين عليه، فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك.
وعن مجاهد وابن جريج أنهما فسرا القول المعروف بعدة جميلة في البر والصلة، وقال القفال : إن كان صبيا فالولي يعرفه أنّ المال ماله. وهو خازن له، وأنه إذا كبر ردّ إليه ماله، وإن كان سفيها وعظه ونصحه، وحثّه على الطاعة، ونهاه عن التبذير والإسراف، وعرّفه أنّ عاقبة الإتلاف فقر واحتياج.
قال اللّه تعالى : وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦) الابتلاء : الاختبار.
المراد ببلوغ النكاح هنا وبلوغ الحلم المذكور في قوله تعالى : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ [النور : ٥٩] الوصول إلى حد البلوغ، وهو حد التكليف، والتزام الأحكام، وذلك إما أن يكون بالاحتلام أو الحيض أو بالسن كما هو معروف في كتب الفقه.


الصفحة التالية
Icon