ص : ٢٨
فيها تعظيم الكواكب، ويزعمون أنهم بهذه الرقى يفعلون ما يشاؤون في غيرهم من غير مماسّة ولا ملامسة، وكانت السحرة تحتال بحيل تموّه على العامة إلى اعتقاد صحته، ومعتقد ذلك يكفر من وجوه :
أحدها : التصديق بوجوب تعظيم الكواكب وتسميتها آلهة.
ثانيها : الاعتقاد بأن الكواكب تقدر على الضرر والنفع.
ثالثها : أن السحرة تزعم أنها تقدر على معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فبعث اللّه ملكين يبيّنان للناس حقيقة ما يدّعون بطلانه، ويكشفان لهم عن وجوه الحيل التي يخدعون بها الناس، وينهيانهم عن العمل بها، يقولان إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فكانا يعلّمانهم للتحرّز لا للعمل، وما في ذلك بأس، قيل لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : فلان لا يعرف الشر، قال : أجدر أن يقع فيه، وقد قيل :
عرفت الشرّ لا للشرّ لكن لتوقّيه
ومن لا يعرف الش رّ من النّاس يقع فيه
ثم قال : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وهذا ذم لمن يتعلم ليضرّ به، لا ليتوقى به، والتفريق بين المرء وزوجه بالسعاية والنميمة والوجوه الخفية التي من جنس ما ذكر في الحكاية المتقدمة.
وقد روي عن الحسن «١» أنه كان يقرأ : وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بكسر اللام، ويقول : كانا علجين أقلفين، يأمران بالسحر ويتمسكان به، وقيل : إن (ما) للجحد والمعنى : ولم ينزل على الملكين ببابل. وقيل : إنّ «ما أنزل» عطف على ملك سليمان، والمعنى : واتّبعوا ما تكذب به الشياطين على ملك سليمان، وما أنزل على الملكين، فكما كذبوا على ملك سليمان كذبوا أيضا على ما أنزل على الملكين، لا أنهما أنزلا ليعلّمان الناس السحر، ويكون قوله : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما أي من السحر والكفر، لأن قوله : وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يتضمن الكفر، فيرجع إليهما.
قوله : سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) [الأعلى : ١٠، ١١] أي الذكرى.
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ. معناه أن الملكين لا يعلمان ذلك أحدا، ومع ذلك لا يقتصران على ألا يعلماه حتى يبالغا في نهيه، فيقولان : إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ وكل هذا للفرار من أنّ اللّه أنزل على الملكين السحر مع ذمه السحر والساحر، وقد علمت أنه أنزل عليهما ليعلم الناس حيل السحرة وخدعهم.

(١) الحسن بن يسار البصري، سيد التابعين، ولد في المدينة كان إماما توفي سنة (١١٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (٢/ ٢٢٦).


الصفحة التالية
Icon