ص : ٣٥٦
أمر يدور مع الدليل الخارجي، ففي مثل قولنا حفظت القرآن من أوله إلى آخره، وقوله تعالى : مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء : ١] ما بعد (إلى) داخل في حكم ما قبلها، لأنّ الغرض في المثال الأول للدلالة على حفظ كل القرآن، وللعلم العادي في المثال الثاني بأنه عليه الصلاة والسلام لا يسرى به وهو زعيم ديني من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو من أعظم بيوت العبادة - من غير أن يدخله ويتعبد فيه.
وفي مثل قوله تعالى : فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة : ٢٨٠] وقوله : أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة : ١٨٧] ما بعد (إلى) غير داخل في حكم ما قبلها، لأنّ الإعسار في المثال الأول علة في الإنظار، وبالميسرة تزول العلة، فيطالب بالدين، ولا يثبت الإنظار معها، ولأنه في المثال الثاني لو دخل الليل في حكم الصيام للزم الوصال، وهو غير مشروع في حقنا، وقوله : إِلَى الْمَرافِقِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لا دليل فيه على أحد الأمرين، فقال الجمهور : بوجوب غسل المرفقين والكعبين احتياطا في العبادات، خصوصا إذا لوحظ أن الأيدي والأرجل تتناول في الاستعمال المرفقين والكعبين وما وراءهما، فيكون ذكرهما لإسقاط ما وراءهما لا غير، فيجب غسل المرفقين والكعبين لذلك، وهو مذهب الحنفية والشافعية. وقال زفر من الحنفية : لا يجب غسلهما لأنّ (إلى) لانتهاء الغاية، وما يجعل غاية للحكم يكون خارجا عنه.
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ اتفق الفقهاء على أنّ مسح الرأس من فرائض الوضوء، ولكنهم اختلفوا في مقدار المسح، فقال المالكية : يجب مسح الكل أخذا بالاحتياط.
وقال الشافعية : يكفي مسح أقل ما يطلق عليه اسم المسح أخذا باليقين.
وقال الحنفية : يفترض مسح ربع الرأس أخذا ببيان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كما روي عن المغيرة بن شعبة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان في سفر، فنزل لحاجته، ثم جاء فتوضأ ومسح على ناصيته «١».
ومنشأ الخلاف هنا اعتبار الباء في قوله : بِرُؤُسِكُمْ زائدة أو أصلية فقال المالكية والحنابلة، إن الباء كما تكون أصلية تكون زائدة لتقوية تعلق العامل بالمعمول، واعتبارها هنا زائدة أولى، لأنّ التركيب حينئذ يدل على وجوب مسح كل الرأس، والبعض داخل فيه، فيكون ماسح الكل آتيا بالفرص بيقين، فيجب مسح الكل احتياطا.
وقال الحنفية والشافعية : إنّ هذه الأدوات التي منها الباء موضوعة للدلالة على معان، فمتى أمكن استعمالها دالة على هذه المعاني وجب استعمالها على هذا النحو.
والباء موضوعة للتبعيض، ويمكن استعمالها هنا فيه، فإننا نجد فرقا في المعنى

(١) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٣٠)، ٢ - كتاب الطهارة، ٢٣ - باب المسح على الناصية حديث رقم (٨٣/ ٢٧٣).


الصفحة التالية
Icon