ص : ٣٥٩
بعد أن بيّن اللّه تعالى وجوب استعمال الماء في الوضوء والغسل عند إرادة الصلاة بيّن هنا أنّ وجوب استعمال الماء مقيّد بأمرين :
الأول : وجود الماء. والثاني : القدرة على استعماله من غير ضرر.
أما إذا انعدم الماء أو وجد ولكنّ مريد الصلاة مريض يضره الماء، فالوجوب ينتقل من استعمال الماء إلى التيمم في حالتي الحدث الأصغر والأكبر.
فالتيمم رخصة مبنية على أعذار العباد، وهو حكم سقط به حكم آخر هو وجوب استعمال الماء لعذر، وهو عدم القدرة على استعمال الماء، فهو رخصة إسقاط في المحل، لاقتصاره على الوجه واليدين، وفي الآلة لقيامة مقام الماء عند عدم القدرة على استعمال الماء.
وظاهر النص جواز التيمم للمريض مطلقا، ولكنّه مقيّد بمن يضره الماء، كما روي عن ابن عباس وجماعة من التابعين من أنّ المراد بالمريض المجدور، ومن يضره الماء كما تقدم في سورة النساء، ولذلك رأى الفقهاء أنّ المرض أنواع :
الأول : ما يؤدي استعمال الماء فيه إلى التلف في النفس أو العضو بغلبة الظن، أو بإخبار الطبيب المسلم الحاذق، وفي هذه الحالة يجوز التيمم باتفاق.
والثاني : ما يؤدي استعمال الماء معه إلى زيادة العلة، أو بطء المرض، وفي هذه الحالة يجوز التيمم عند الحنفية والمالكية، وهو أصح قولي الشافعي لما روي عن جابر بن عبد اللّه أنه قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر في رأسه فشجّه، ثم احتلم، فخاف من زيادة العلة إن استعمل الماء، فقال لأصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على استعمال الماء. فاغتسل، ثم ازدادت علته ومات، فلما قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم بما حصل
فقال عليه الصلاة والسلام :«قتلوه، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم» «١».
الثالث : ما لا يخاف معه تلفا ولا بطأ، ولا زيادة في العلة من استعمال الماء، وفي هذه الحالة لا يجوز التيمم عند الحنفية والشافعية، لأنّه لم يخرج عن كونه قادرا على استعمال الماء، فلا يرخّص له في التيمم وعند المالكية يجوز التيمم لإطلاق النص.
الرابع : أن يكون المرض حاصلا لبعض الأعضاء، فإن كان الأكثر صحيحا وجب غسل الصحيح ومسح الجريح، ولا يجوز التيمم، وإن كان الأكثر جريحا يجوز التيمم، وهذا مذهب الحنفية. وعند الشافعية : يغسل الصحيح، ثم يتيمم مطلقا. وعند المالكية : جاز له التيمم مطلقا.