ص : ٣٦٠
ومن ذلك يتبيّن أن المريض يترخّص بالتيمم، ولو كان الماء موجودا، بخلاف المسافر كما سيأتي، فإنّ ترخّصه مقيّد بعدم الماء.
وقوله : أَوْ عَلى سَفَرٍ وإن كنتم مستقرين على سفر لا تجدون معه الماء وكنتم محدثين فَتَيَمَّمُوا أي فيلزمكم التيمم إلخ. وليس المراد سفر القصر وإنما المراد السير خارج العمران، سواء وصل إلى مسافة القصر أم لا، بخلافه في قوله تعالى في سورة البقرة فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة : ١٨٤] فإنّ المراد به سفر القصر.
وإنما قيد الأمر هنا بالسفر مع أن المنظور إليه عدم الماء، لأنّ السفر هو الذي يغلب فيه عدم الماء، بخلاف الحضر، ولو فرض عدم الماء في الحضر وجب التيمم على المحدث عند إرادة الصلاة عند الحنفية والمالكية والشافعية.
أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وتقدم في [النساء : ٤٣] أنّ هذه كناية في قضاء الحاجة، وكل ما يخرج من السبيلين ملحق بقضاء الحاجة بدلالة الأحاديث الواردة عليه، و(أو) هذه بمعنى الواو، فإنّ الأمر بالتيمم للوجوب، ولا يجب التيمم في المرض أو السفر إلا عند الحدث مع إرادة الصلاة أو وجوبها، ولأنها إذا لم تكن بمعنى الواو لزم أن تكون قسما ثالثا مغايرا للمريض والمسافر، فلا يكون وجوب الطهارة عليهما متعلقا بالحدث، مع أنّ الوجوب لا يتعلق بهما إلا إذا كانا محدثين، فوجب أن تكون (أو) بمعنى الواو، ولذلك نظائر كما تقدم.
أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ تقدم الكلام على تفسير هذه الجملة مستوفى [النساء : ٤٣] وملخّصة أنّ الملامسة هنا يحتمل أن يراد بها الجماع، كما تأولها علي وابن عباس وغيرهما من السلف، وكانوا لا يوجبون الوضوء على من مسّ امرأة باليد، ويحتمل أن يراد بها المس باليد، كما تأولها بذلك عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن مسعود من السلف، وكانا يوجبان الوضوء على من مس امرأة باليد، وقد تقدّم ترجيح القول بأن المراد بها الجماع، كما تقدم تفصيل الخلاف بين الفقهاء في ذلك أيضا.
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً المراد بعدم وجدان الماء عدم القدرة على استعماله، سواء كان لعدم وجوده، كما في السفر، أو للضرر الذي يخشى من استعماله كما في حالة المرض، أو لمانع يمنع من استعماله كما إذا وجد الماء، ولكنه يخاف عطشا أو سبعا، أو وجده بأكثر من قيمته، فمثل هذا لا يعد واجدا للماء عند الحنفية والمالكية والشافعية.
وقد وقع الخلاف بين الأئمة في المراد من وجود الماء الذي يمنع من التيمم، فقال المالكية : المراد بوجود الماء الوجود الحكمي، بمعنى أن الشخص يتمكن شرعا من استعماله من غير ضرر، والحنفية يقولون بالمراد الوجود الحسي، بمعنى أنه يتمكن