ص : ٣٦٣
الثاني : التيمم بدل عن الوضوء في الحدث الأصغر باتفاق، وأما كونه بدلا عن الغسل في الحدث الأكبر فهو محل خلاف بين السلف، فالمروي عن عليّ وابن عباس والحسن وأبي موسى والشعبي، وهو قول أكثر الفقهاء أنه بدل عنه أيضا، فيجوز التيمم لرفع الحدث الأكبر.
والمرويّ عن عمر وابن مسعود أنه ليس بدلا عن الغسل، فلا يجوز التيمم له لرفع الحدث الأكبر.
الثالث : يؤخذ من الآية أنّ الطهارة لا تجب إلا عند الحدث، لأنها تضمنت أن التيمم بدل عن الوضوء والغسل، وقد أوجبه اللّه على مريد الصلاة متى جاء من الغائط، أو لامس النساء، ولم يجد الماء، وهو يدلّ على أن الطهارة بالماء واجبة على مريد الصلاة متى جاء من الغائط أو لامس النساء أيضا، لأنّ البدل لا يخالف الأصل إلا بدليل، ولم يوجد فلا تجب الطهارة إلا عند الحدث.
ودلت الآثار الصحيحة على أنّ الريح والمذي والودي ينقض الوضوء كالبول والغائط.
قال اللّه تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) لما ذكر اللّه فيما سبق التكاليف التي كلّف بها المؤمنين أردفه بما يوجب عليهم القبول والثبات، عليه، وهو منحصر بحسب ما ذكره في أمرين :
الأول : نعمة اللّه عليهم.
والثاني : الميثاق الذي أخذ عليهم بالسمع والطاعة لكل ما يلقى عليهم، والتزموا قبوله والعمل به.
أما الأول : فلأنّ الإنعام يوجب على المنعم عليه تعظيم المنعم، وإجلاله، والتودد إليه بفعل ما يرضيه، واجتناب ما يغضبه، خصوصا إذا كان الإنعام وافرا، والإحسان جما.
وإنما وحّد النعم ليشير إلى أنّ التأمل في جنس النعم كالنظر إلى الحياة والصحة والعقل والهداية وحسن التدبير والصون عن الآفات والعاهات، فجنس هذه النعم لا يقدر عليه غير اللّه تعالى، فيكون وجوب الاشتغال بشكرها أتم وأكمل.
وإنما قال : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ وهو يشعر بنسيانها، مع أن مثلها لا ينسى، خصوصا إذا لوحظ أنها متواترة في جميع الأزمان، للإشارة إلى أنه لكثرة هذه النعم وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد الذي لكثرة وجوده قد يغفل المرء عنه.