ص : ٣٦٩
الأجزية الثلاثة، لكن لا في مطلق المحارب، بل في محارب خاص، وهو الذي قتل النفس وأخذ المال، وهذا هو الأقرب والأولى، لأن فيه عملا بحقيقة حرف التخيير، وبما هو المعقول المؤيد بما وردت به الشريعة.
وقوله : وَيَسْعَوْنَ معطوف على يُحارِبُونَ وقوله : فَساداً حال من فاعل يَسْعَوْنَ بتأويله باسم الفاعل، أو هو مصدر مؤكّد ل يَسْعَوْنَ فإنّه بمعنى يفسدون إفسادا، فهو مصدر حذفت زوائده، أو هو اسم مصدر مؤكد.
وقوله : أَنْ يُقَتَّلُوا خبر عن المبتدأ الذي هو (جزاء) والمراد يقتلون حدا، أي من غير صلب إن أفردوا القتل، ولا يسقط القتل حينئذ بعفو الأولياء، ولا فرق بين أن يكون القتل بآلة جارحة أو بغيرها، والإتيان بصيغة التفعيل لما في القتل هنا من الزيادة باعتبار أنه محتوم لا يسقط، ولو عفا الأولياء.
وقوله : أَوْ يُصَلَّبُوا أي مع القتل إن قتلوا النفس وأخذوا المال.
وقوله : أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أي إن أخذوا المال لا غير، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ إن أخافوا الطريق، ولم يقتلوا نفسا، ولم يأخذوا مالا.
وكيفية الصلب أن يصلب حيا على الطريق العام يوما واحدا، أو ثلاثة أيام لينزجر الأشقياء، ثم يطعن برمح حتى يموت، وهو مرويّ عن أبي يوسف، وذكره الكرخي أيضا.
وقيل : يقتل ويصلّى عليه، ثم يصلب، وهو مذهب الشافعية، والنفي من الأرض هو الحبس عند الحنفية، والعرب تستعمل النفي بهذا المعنى كثيرا، لأنّ الشخص إذا نفي فارق بيته وأهله، فكأنّه نفي من الأرض، وقيل : النفي هو طلبهم عند الفرار، وعدم تمكينهم من الإقامة في مكان خاص، بمعنى أنه إذا طلبهم الإمام، فإن قدر عليهم أقام عليهم الحد، وإن هربوا طلبهم في البلدة التي ينزلون بها، فإن هربوا إلى بلدة أخرى طلبهم أيضا، وهكذا.
وكيفية القطع أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، سواء أكانوا أخذوا المال من مسلم أم من ذمي، بشرط أن يكون المال بحيث لو قسم يخص كل واحد : قدر عشرة دراهم عند الحنفية، أو ربع دينار عند الشافعية كما في السرقة، ولم يعتبر الإمام مالك هذا الشرط، لأنّه يرى إجراء الحكم عليهم بأي نوع من أنواعه بمجرد الخروج، ولو لم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا.
ذلِكَ الذي فصل من الأحكام لَهُمْ خِزْيٌ كائن فِي الدُّنْيا أي ذل وفضيحة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ لعظم جناياتهم، واقتصر في الدنيا على الخزي مع أنّ لهم فيها عذابا أيضا، وفي الآخرة على العذاب مع أن لهم فيها خزيا أيضا، لأن