ص : ٣٧٢
وَالسَّارِقُ مبتدأ خبره محذوف، والمعنى حكم السارق والسارقة مما يتلى عليكم، وقوله : فَاقْطَعُوا جملة مبينة لحكمهما، فهما جملتان، ويحتمل أن تكون جملة فَاقْطَعُوا خبرا عن المبتدأ، وحسّن اقترانها بالفاء أنّ الألف واللام في المبتدأ قائمة مقام الاسم الموصول، وخبره يقترن بالفاء كثيرا، خصوصا إذا روعي أنه جزاء، والجزاء يقترن بالفاء.
ولما كانت السرقة معهودة كثيرا من النساء كالرجال صرّح بالسارقة للزجر، ومزيد العناية بالبيان، وإن كان المعهود إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال.
والسرقة في اللغة : أخذ المال مطلقا في خفاء وحيلة، ولكنه ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما يبيّن أنّ قطع الأيدي لا يكون في مطلق السرقة، بل في سرقة شخص معيّن مقدارا معينا من حرز المثل، ولذلك عرف الفقهاء السرقة بأنها : أخذ العاقل البالغ مقدارا مخصوصا خفية من حرز بمكان، أو حافظ، ودون شبهة.
أما العقل والبلوغ فلأنّ السرقة جناية، وهي لا تتحقق دونهما.
وأما المقدار فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا، أو قيمتها من غيرها، وروي عن الصاحبين أنه لا قطع إلا فيما يساوي عشرة دراهم مضروبة.
وقال مالك والشافعي والأوزاعي : لا قطع إلا في ربع دينار.
حجة الحنفية ما
رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا قطع فيما دون عشرة دراهم» «١».
وما روي عن عبد اللّه بن مسعود وابن عباس وابن عمر وأيمن الحبشي وأبي جعفر وعطاء وإبراهيم من أنهم كانوا يقولون : لا قطع إلا في عشرة دراهم.
وحجة المالكية والشافعية : ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت :«تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» وما
روي عن عائشة أيضا من أنه عليه الصلاة والسلام قال :«لا تقطع يد السّارق إلا في ربع دينار فصاعدا» «٢» وهذا القول منقول عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
وإذا لوحظ أن الحدود تدرأ بالشبهات، وأنّ الاحتياط أمر لا يجوز الإغضاء عنه، وأنّ الحظر مقدّم على الإباحة أمكن ترجيح مذهب الحنفية، لأنّ المجنّ المسروق في عهده
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٨/ ٢١)، ٨٦ - كتاب الحدود، ١٤ - باب قول اللّه تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ حديث رقم (٦٧٨٩).