ص : ٣٧٣
عليه الصلاة والسلام الذي قطعت فيه يد السارق، وهو الأصل الذي تقطع في مثله يد السارق قدّره بعضهم بثلاثة دراهم، وبعضهم بأربعة، وبعضهم بخمسة، وبعضهم بربع دينار، وبعضهم بعشرة دراهم، والأخذ بالأكثر أرجح، لأنّ الأقل فيه شبهة عدم الجناية، والشبهة تدرأ الحدود، ولأنّ التقدير بالأقل يبيح الحد في أقل من العشرة، والتقدير بالعشرة يحظر الحد فيما هو أقل منها، والحاظر مقدّم على المبيح.
فالاحتياط في عقوبة القطع يقضي بأنّ اليد لا تقطع إلا في سرقة عشرة دراهم فما فوقها.
وأما اعتبار الحرز، فلما
ورد من أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن حريسة الجبل فقال :«فيها غرامة مثلها، وجلدات نكالا، فإذا آواها المراح، وبلغ ثمن المجن، ففيها القطع» «١»
. ولما
ورد من أنه عليه السلام قال :«ليس في الثمر المعلّق قطع حتى يؤويه الجرين، فإذا آواه الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن» «٢»
ومنه يعلم أنّ الإحراز شرط في القطع.
والحرز قد يكون بما بني للسكنى وحفظ الأموال، ومثله المضارب والخيم والفسطاط مما يسكن الناس فيه، ويحفظون به أمتعتهم.
وقد يكون الحرز بالحافظ في الصحراء والمساجد والرحاب والطرقات أما النوع الأول من الحرز فهو ظاهر، وأما الثاني فالأصل في كون الحافظ حرزا
حديث صفوان بن أمية حين دخل المسجد ونام فيه، وتوسّد رداءه، فاستل اللص الرداء من تحت رأسه، واستيقظ صفوان، فأدرك اللص وساقه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمر عليه الصلاة والسلام بقطعه، فقال صفوان : لم أرد هذا يا رسول اللّه، هو عليه صدقة.
فقال عليه الصلاة والسلام :«فهلا قبل أن تأتيني به» «٣».
وأما اعتبار عدم الشبهة، فلما روي واشتهر من
قوله عليه الصلاة والسلام :«ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» «٤»
. فلا يقطع من سرق من مال له فيه شركة أو سرق من مدينة مثل دينه، ولا يقطع

(١) رواه النسائي في السنن (٧ - ٨/ ٤٥٦)، كتاب قطع السارق، باب التمر المعلق حديث رقم (٤٩٥٧).
(٢) المرجع نفسه (٤٩٥٨).
(٣) رواه أبو داود في السنن (٤/ ١٢٨)، كتاب الحدود، باب فيمن يسرق حديث رقم (٤٣٩٤) والنسائي في السنن (٧ - ٨/ ٤٣٨)، كتاب السرقة، باب الرجل يتجاوز للسارق حديث رقم (٤٨٩٣)، وابن ماجه في السنن (٢/ ٨٦٥)، كتاب الحدود باب من سرق حديث رقم (٢٥٩٥).
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٢٥)، كتاب الحدود، باب ما جاء من درء الحدود حديث رقم (١٤٢٤).


الصفحة التالية
Icon