ص : ٣٧٥
وإذا عاد إلى السرقة ثالثا وقف القطع عند الحنفية، فلا يقطع منه عضو بعد ذلك، ولكنّه يضمّن المسروق، ويعزّر بالحبس حتى تظهر توبته، لما
روي عن علي بن أبي طالب أنه أتي بسارق للمرة الثالثة فقال : لا أقطع، إن قطعت يده فبأيّ شيء يأكل، وبأي شيء يستنجي، وإن قطعت رجله فبأيّ شيء يمشي، إني لأستحيي من اللّه، ثم ضربه بخشبة وحبسه «١».
وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وعند المالكية والشافعية :
تقطع يده اليسرى، وإن عاد إلى السرقة رابعا تقطع رجله اليمنى.
وإذا كانت العين المسروقة قائمة، وردّت إلى مالكها، وقطعت يد السارق ثم عاد إلى سرقتها مرّة ثانية فلا يقطع فيها عند الحنفية، وأما المالكية والشافعية فيقولون بالقطع، وهو رواية عن أبي يوسف لإطلاق
قوله عليه الصلاة والسلام :«فإن عاد فاقطعوه».
تمسّك الحنفية بما يؤخذ من
قوله عليه الصلاة والسلام :«لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه» «٢»
فإنّ عدم ضمان المال يدلّ على أنّ المال أصبح غير معصوم في حق السارق بعد قطع يده، لأنّه لو كان معصوما مع قطع يده لوجب ضمانه، وحيث لم يجب الضمان تبيّن أن المال غير معصوم في حقه، فإذا كانت العين المسروقة قائمة، وردت إلى المالك، فلا نزاع في أنّ العصمة عادت إليها، ولكن مع هذا لا زالت شبهة سقوط العصمة قائمة، فأشبهت المباح في حقه، فلا تقطع يده في سرقتها ثانية فإنّ الحدود تدرأ بالشبهات.
وإذا قطعت يد السارق، وكانت العين المسروقة قائمة وجب ردها إلى صاحبها، وإذا كانت هالكة أو مستهلكة فلا ضمان عليه عند الحنفية، وقال المالكية : يضمّنها إن كان موسرا، ولا شيء عليه إن كان معسرا.
وقال الشافعية : يضمنها مطلقا، أما ردها وهي قائمة فلما ورد من أنه عليه الصلاة السلام ردّ رداء صفوان إليه حين قطع يد السارق، وأما عدم الضمان عند عدمها
فلقوله عليه الصلاة والسلام :«لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه».
وحجة القائلين بالضمان قياسه على سائر الأموال الواجبة، فإنّهم أجمعوا على رد العين المسروقة إذا كانت موجودة، وهو يستلزم أنها إذا لم تكن موجودة تكون في ضمانه، كما في سائر الأموال الواجبة، ترد بنفسها إن كانت قائمة، ويرد مثلها إن
(٢) رواه النسائي في السنن (٧ - ٨/ ٤٦٢)، كتاب السرقة، باب تعليق يد السارق حديث رقم (٤٩٨٤).