ص : ٣٧٦
كانت هالكة، ويدلّ على ذلك أيضا ما ورد من
قوله عليه الصلاة والسلام :«على اليد ما أخذت حتى تؤدي» «١».
وقوله : جَزاءً مفعول له، أو مصدر مؤكد لفعله الدال عليه قوله :
فَاقْطَعُوا أي فجازوهما جزاء وقوله : بِما كَسَبا متعلق (بجزاء) على الإعراب الأول، وبقوله : فَاقْطَعُوا على الإعراب الثاني، و(ما) مصدرية، أي بسبب كسبهما، أو موصولة، أي بسبب الذي كسباه.
وقوله : نَكالًا مفعول له للإشعار بأنّ القطع للجزاء. والجزاء للنكال فيكون مفعولا له متداخلا كالحال المتداخلة.
والنكال : الإهانة والتحقير للمنع من العودة.
وقوله : مِنَ اللَّهِ متعلق بمحذوف صفة لنكالا.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي غالب في تنفيذ أوامره، يمضيها كيف يشاء من غير منازع ولا ممانع، وهو حَكِيمٌ في تشريعه، لم يشرع إلا ما فيه المصلحة، فمن تاب من السرّاق من بعد ظلمه بما وقع منه من السرقة، وأصلح في توبته بأن تكون التوبة عند الجمهور، وقيل : تسقطه، لأن ذكر الغفور الرحيم يدل على سقوط العقوبة، والعقوبة المذكورة هي القطع.
قال اللّه تعالى : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)
السحت : الاستئصال من سحته إذا استأصله، ومنه قوله تعالى : فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [طه : ٦١] أي يستأصلكم، ويطلق السّحت على الحرام الخسيس الذي يعيّر به الإنسان، لأنّه يستأصل فضيلة الإنسان وشرفه، ويستأصل جسده في النار في الآخرة، ويطلق أيضا على شدة الجوع، لأنّ من كان شديد الجوع يستأصل ما يصل إليه من الطّعام.
وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد أنّ السحت الرشوة
، وأجر البغي وعسب الفحل، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وحلوان الكاهن، والاستئجار في المعصية، ويرجع أصل ذلك كله إلى الحرام الخسيس الذي يعيّر به الإنسان ويخفيه.

(١) رواه أبو داود في السنن (٣/ ٢٨٤)، كتاب البيوع، باب تضمين العارية حديث رقم (٣٥٦١)، والترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٥٦٦)، كتاب البيوع، باب العارية حديث رقم (١٢٦٦)، وابن ماجه في السن (٢/ ٨٠٢)، كتاب الصدقات، باب العارية حديث رقم (٢٤٠٠).


الصفحة التالية
Icon