ص : ٣٨٧
والمؤاخذة بها هو عقاب الآخرة. ويدل له قوله تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ [آل عمران : ٧٧] فذكر الوعيد فيها ولم يذكر الكفارة.
وقد روى جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«من حلف بيمين آثمة على منبري هذا فليتبوأ مقعده من النار» «١»
ولم يذكر الكفارة.
والمسألة مبسوطة في كتب الفروع. وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ يحتمل أن تكون (ما) مصدرية، أي بتعقيدكم الأيمان، وتوثيقها بالقصد والنية.
ويحتمل أن تكون (ما) موصولة، والعائد محذوف، أي بما عقدتم الأيمان عليه.
والمعنى : لكن يؤاخذكم بنكث ما عقدتم الأيمان عليه، أو بنكث تعقيدكم اليمين.
ويحتمل أن يكون المعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمين إذ حنثتم، وحذف الشرط للعلم به، وقد عرفت أنّ الشافعية يدخلون الغموس في اليمين المعقودة، ففيها الكفارة عندهم، والحنفية يقولون : لا كفارة في الغموس.
فَكَفَّارَتُهُ أي فكفارة يمينكم إذا حنثتم، أو فكفارة نكثه إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ذهب الشافعية إلى جواز إخراج الكفارة قبل الحنث إذا كانت مالا، وأما إذا كانت صوما فلا، حتى يتحقّق السبب بالحنث، واستدلوا بظاهر هذه الآية، حيث ذكر الكفارة مرتبة على اليمين، من غير ذكر الحنث، وقال اللّه تعالى : ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وقاسوها أيضا على إخراج الزكاة قبل الحول. وأما الصوم فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن الخصال الثلاثة قبله، ولا يتحقق العجز إلا بعد الحنث ووجوب التكفير.
والحنفية يرون أنّ الآية فيها إضمار الحنث، وهو متعيّن، إذ لم يقل أحد ولا الشافعية بوجوب الكفارة قبل الحنث، فالحنث وإن لم يذكر إلا أنه معلوم، فهي على حد قوله تعالى : وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة : ١٨٥] حيث كان وجوب العدة مرتبا على الإفطار المقدّر.
ونحن نرى أنّ الآية لا تصلح شاهدا لواحد من الطرفين.
مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ لا من جيده فيقع الحيف عليكم، ولا من رديئه فتبخسوا المسكين حقه، ويجوز أن يكون المراد من أوسطه في المقدار، أي : إذا كان فرد يأكل كثيرا، أو فرد يأكل قليلا فتوسطوا بين المقدارين، وأطعموا المسكين هذا