ص : ٤٢١
هذه الآية، يقولون : إن اللّه تعالى طلب ممن قرئ القرآن بمحضر منه شيئين : الاستماع والإنصات، وذلك عام في كل الأحوال والأوقات، لا يخرج منه شيء إلا ما أخرجه الدليل، فإن أخرج الدليل مثلا ما إذا كان المصلي يصلي وآخر ليس معه في الصلاة يقرأ، كان ذلك خارجا، وبقي ما عداه على وجوب الاستماع والسكوت، وإذا كانت سرية اكتفينا منه بالإنصات، لأنه الممكن، وهو يعلم أنّ الإمام يقرأ، فعليه أن يلزم الصمت عملا بهذه الآية.
والحنفية في هذا الذي ذهبوا إليه يشاركون كثيرا من جلة الصحابة رضوان اللّه عليهم، فهو مذهب علي، وابن مسعود، وسعد، وجابر، وابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي سعيد، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأنس.
بل لقد روي عن بعضهم ذمّ من قرأ خلف الإمام،
فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي كرم اللّه وجهه قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة.
وعن زيد بن ثابت قال : من قرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا.
وروي عنه أنّ من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له.
وقال الشعبي : أدركت سبعين بدريا كلهم يمنعون المقتدي عن القراءة خلف الإمام.
ويروي الحنفية تأييدا لمذهبهم أخبارا كثيرة بعضها مرفوع وفي رفعه مقال، وبعضها مرسل.
من ذلك ما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في «سننه» عن مجاهد قال : قرأ رجل من الأنصار خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الصلاة فنزلت : وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ إلخ.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» «١».
وأخرج أيضا عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من كان له إمام فقراءته له قراءة».
وكل ما قيل في هذا الحديث أنّه مرسل، والحنفية يحتجون بالمراسيل.
على أنه قد رواه أبو حنيفة مرفوعا بسند صحيح.
روى محمد بن الحسن في «موطئه» قال : أنبأنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى ابن أبي عائشة عن عبد اللّه بن

(١) رواه البخاري في الصحيح (١/ ٢٠١)، ١٠ - كتاب الأذان، ٨٢ - باب إيجاب التكبير حديث رقم (٧٣٤)، ومسلم في الصحيح (١/ ٣٠٩)، ٤ - كتاب الصلاة، ١٩ - باب ائتمام المأموم حديث رقم (٨٦/ ٤١٤).


الصفحة التالية
Icon