ص : ٤٣
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : أخبرني أسامة بن زيد قال :«لما دخل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم البيت دعا في نواحيه كلّها ولم يصلّ حتى خرج منه، فلما خرج صلّى ركعتين في قبل الكعبة، وقال : هذه القبلة».
قال القفال : وقد وردت الأخبار الكثيرة في صرف القبلة إلى الكعبة،
ففي خبر البراء بن عازب «ثم صرف إلى الكعبة؟ وكان يحبّ أن يتوجه إلى الكعبة» «١»
وفي خبر ابن عمر :«أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حوّل إلى الكعبة» «٢»
وفي خبر ثمامة :«جاء منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنادى : إنّ القبلة حوّلت إلى الكعبة» «٣»
، لا يتحصّل إلا إذا أصاب عينها، فالمشاهد لا بدّ له من إصابة العين، والغائب لا بد له من قصد الإصابة مع التوجه إلى الجهة.
والفريق الثاني : الحنفية «٤» والمالكية على ما هو منصوص عليه في كتبهم، يرون أن القبلة للمكي المشاهد إصابة العين، ولغير المشاهد الجهة فحسب.
حجة الشافعي رضي اللّه عنه القرآن والسنة والقياس :
أما القرآن : فظاهر الآية التي نحن بصددها. وذلك أن المراد من شطر المسجد الحرام جانبه. وجانب الشيء هو الذي يكون محاذيا له وواقعا في سمته.
وأما الحديث فما ورد من
حديث أسامة «أنه ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال :
هذه القبلة»

وهي جملة حاضرة للقبلة في الكعبة.
وأما القياس : فهو أنّ مبالغة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تعظيم الكعبة بلغت مبلغا عظيما، والصلاة من أعظم شعائر الدين، وتوقيف صحتها على استقبال عين الكعبة يوجب مزيد الشرف، فوجب أن يكون مشروعا، وأيضا : كون الكعبة قبلة أمر معلوم، وكون غيرها قبلة أمر مشكوك، ورعاية الاحتياط في الصلاة أمر واجب. فوجب توقيف صحّة الصلاة على استقبال عين الكعبة.
وأما الحنفية والمالكية، فقد احتجوا بأمور :
الأول ظاهر هذه الآية، فإنّ من استقبل الجانب الذي فيه المسجد الحرام، فقد ولّى وجهه شطر المسجد الحرام، سواء أصاب عين الكعبة أم لا، وهذا هو المأمور به، فوجب أن يخرج من العهدة.

(١) سبق تخريجه.
(٢) و(٣) الحديث رواه البخاري - في غير هذا اللفظ - في الصحيح (٥/ ١٧٨)، ٦٥ - كتاب تفسير القرآن، ١٨ - باب (٢٠٥١٩) (من حيث خرجت) حديث رقم (٤٤٩٣، ٤٤٩٤)، ومسلم في الصحيح (١/ ٣٧٥)، ٥ - كتاب المساجد، ٢ - باب تحويل القبلة حديث رقم (١٣/ ٥٢٦). [.....]
(٤) انظر الهداية شرح بداية المبتدي، للمرغيناني ط ١، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٩٩٠ (١/ ٤٨).


الصفحة التالية
Icon