ص : ٤٥٤ وسئل سعيد بن المسيب هل يصح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال : نعم. وهو المنقول عن قتادة والزهري وسفيان الثوري، ولكل هذا كان القول بإباحة القتال في الأشهر الحرم هو الذي عليه المعوّل.
وقوله : كَافَّةً حال من الفاعل أو من المفعول، والمعنى على الأول : قاتلوا المشركين حال كونكم جميعا متعاونين غير متخاذلين، كما يقاتلونكم مجتمعين متعاونين غير متخاذلين.
والمعنى على الثاني : قاتلوا المشركين حال كونهم جميعا لا فرق بين طائفة وطائفة، ما يقاتلونكم جميعا من غير مراعاة فريق منكم دون فريق.
وكلمة كَافَّةً من الكلمات التي توحد وتؤنث بالهاء لا غير، فلا تثنّى ولا تجمع ولا تذكّر كالخاصة والعامة.
وقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أي مع أوليائه الذين يخافون من غضبه، ويتخذون وقاية من مخالفة أمره. وهو معهم بالنصر والمعونة فيما يباشرونه من القتال وغيره. ووضع المظهر موضع المضمر للثناء عليهم بالتقوى، ولحثّ القاصرين عليها، وللإشعار بأنها المدار في الفوز والفلاح.
قال اللّه تعالى : إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧) النَّسِي ءُ مصدر بمعنى التأخير، كالنذير والنكير، بمعنى الإنذار والإنكار، من نسأت الإبل عن الحوض إذا أخرتها، أنسؤها نسأ ونساء ونسيئا. والمراد النسيء في الشهور بمعنى تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ليس له تلك الحرمة، بسبب أنه كان يشق عليهم أداء عبادتهم وتجاراتهم على اعتبار السنة القمرية، حيث كان حجهم يقع مرة في الشتاء ومرة في الصيف، فيتألمون من مشقة الصيف، ولا ينتفعون بتجاراتهم ومرابحاتهم التي كانوا يودون استصحابها في موسم الحج، وربما لا يتيسر لهم ذلك.
وكذلك كانوا أصحاب حروب وغارات، وكانوا يكرهون أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها، فتركوا اعتبار السنة القمرية، واعتمدوا على السنة الشمسية، ولزيادتها عن السنة القمرية احتاجوا إلى الكبس، فكانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهرا، وكانوا ينقلون الحج من بعض الشهور إلى بعض، ويؤخّرون الحرمة الحاصلة من شهر إلى شهر، ويستبيحون الحروب والغارات في الشهر الذي نقلوا حرمته، واستمروا في ذلك حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، وحرموا أربعة أشهر من شهور العام اكتفاء بمجرد العدد، فكان هذا التحليل