ص : ٤٦
ومن تطوّع بالحج والعمرة بعد أداء حجته الواجبة. فإنّ اللّه شاكر له على تطوّعه، مجاز به. عليم بقصده وإرادته. وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية :
١ - أخرج ابن جرير «١» عن الشعبي «٢» أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إساف، ووثنا على المروة يسمّى نائلة، وكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين، فلما جاء الإسلام وكسّرت الأوثان. قال المسلمون : إن الصفا المروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر قال : فأنزل اللّه أنهما من الشعائر.
٢ - وروى ابن شهاب عن عروة قلت لعائشة رضي اللّه عنها : أرأيت قول اللّه تبارك وتعالى : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فو اللّه ما على أحد جناح أن لا يطّوف بهما. قالت عائشة رضي اللّه عنها : بئسما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما تأولتها لكان : فلا جناح عليه إلا يطوف بهما، إنما كان هذا من الأنصار قبل أن يسلموا، يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهلّ لمناة، يتحرج أنّ يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فقالوا :
يا رسول اللّه إنا كنّا نتحرج أن نطوّف بالصفا والمروة. فأنزل اللّه تعالى : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ... ثمّ سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بينهما
قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لأبي بكر ابن عبد الرحمن، فقال : إنّه العلم، أي ما سمعت به «٣».
الأحكام
اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة على أقوال :
١ - فقيل : إنه ركن، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو مشهور مذهب مالك، فمن لم يسع كان عليه حج قابل.
٢ - وقيل : ليس بركن، بل هو سنة. وبه قال أبو حنيفة، وهو قول في مذهب مالك، قال في «العتبية» «٤» يجزئ تاركه الدم.
٣ - وقيل هو تطوع، ولا شيء على تاركه.
احتجّ من جعله ركنا بما
روي أنه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يسعى ويقول :«اسعوا فإنّ اللّه كتب
(٢) عامر بن شراحيل الحميري من كبار التابعين توفي سنة (١٠٣) في الكوفة انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٢٥١).
(٣) رواه البخاري في الصحيح كتاب الحج باب وجوب الصفا والمروة حديث رقم (١٦٤٣).
(٤) مؤلف في فقه المالكية لمحمد بن أحمد العتيبي.