ص : ٤٦٤
وقد اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم من المسلمين، فذهب الحنفية «١» إلى أنّ سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بعد وفاته صلّى اللّه عليه وسلّم سواء أكانوا من الكفار أم من المسلمين، لأن المعنى الذي لأجله كانوا يعطون قد زال بإعزاز الإسلام واستغنائه عن تأليف القلوب واستمالتها إلى الدخول فيه، وذهب إلى هذا كثير من أئمة السلف، واختاره الروياني وجمع من متأخري أصحاب الشافعي، وعلى هذا يكون عدد الأصناف سبعة لا ثمانية.
والمنقول عن نص الشافعي وأصحابه المتقدمين أن حكم المؤلفة قلوبهم من المسلمين لا يزال معمولا به، وهو قول الزهري وأحمد، وإحدى الروايتين عن مالك.
والآية في ظاهرها يشهد لهم.
واختلف القائلون بسقوط سهم المؤلفة في توجيه رأيهم، مع أن الآية في ظاهرها جعلت للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الزكاة، فقال صاحب «الهداية» «٢» من الحنفية : إن هذا الصنف من الأصناف الثمانية قد سقط، وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي اللّه عنه، وحينئذ يكون هذا الإجماع أو مستنده ناسخا للآية في صنف المؤلفة.
وقال آخرون في وجه سقوطه : إنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته، كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار.
الصنف الخامس : ما أشار إليه بقوله : وَفِي الرِّقابِ في قوله تعالى : وَفِي الرِّقابِ محذوف، والتقدير : وفي فك الرقاب. واختلف أهل العلم في تفسير الرِّقابِ
فقال عليّ كرم اللّه وجهه وسعيد بن جبير والزهري والليث بن سعد والشافعي وأكثر العلماء : يصرف سهم الرقاب إلى المكاتبين.
وقال مالك وأحمد : يشترى بسهمهم عبيد ويعتقون، ويكون ولاؤهم لبيت المال.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة، ولكن يعطى منها في رقبة، ويعان بها مكاتب.
وقال بعض العلماء : يفدى من هذا السهم الأسارى.
وحجة الشافعي وموافقيه أن قوله تعالى : وَفِي الرِّقابِ كقوله : وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وهناك يجب الدفع إلى المجاهدين، فكذا هنا يجب الدفع إلى الرقاب، ولا يمكن الدفع إلى الشخص الذي يراد فك رقبته إلا إذا كان مكاتبا، ولو اشترى بالسهم عبيدا لم يكن الدفع إليهم، وإنما هو دفع إلى سادتهم، وانتفاعهم بالعتق ليس تمليكا، لأنّ العتق إسقاط.
(٢) الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ - ٢/ ١٢٠). [.....]