ص : ٤٦٥
وقد روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال : قوله وَفِي الرِّقابِ يريد المكاتبين. وتأكد هذا بقوله تعالى : وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ [النور : ٣٣].
وحجة المالكية أن الرقاب جمع رقبة، وكل موضع ذكرت فيه الرقبة فالمراد عتقها، والعتق والتحرير لا يكون إلا في القن، كما في الكفارات فلا بد من عتق رقبة كاملة ملكا ويدا، وحجة الحنفية أن قوله تعالى : وَفِي الرِّقابِ يقتضي أن يكون للمزكي مدخل في عتق الرقبة، وذلك ينافي كونه تاما فيه.
ومن قال بفك الأسارى من سهم الرقاب يرى أن المراد تخليص المسلم من حال النقص وفداء مسلم وتخليصه من أيدي الكفار أولى من عتق مسلم تملكه يد مسلمة.
ولا نعلم خلافا في أنه لا يجوز إعطاء المكاتب الكافر، ولا عتق قن كافر.
والقائلون بإعطاء المكاتب شرطوا فيه الحاجة، فإن حل عليه نجم ولم يكن معه ما يؤديه أعطي مقدار النجم أو ما يكمله، وإن كان معه ما يفي بالنجم لم يعط شيئا.
قال الشافعي وأصحابه : يجوز صرف الزكاة إلى المكاتب بغير إذن سيده، ويجوز الصرف إلى السيد بإذن المكاتب، ولا يجوز الصرف إلى السيد بغير إذن المكاتب، والأولى صرفها للسيد بإذن المكاتب، لأن اللّه تعالى أضاف الصدقات للأصناف الأربعة الذين تقدّم ذكرهم باللام، ولما ذكر الرقاب أبدل حرف اللام بحرف في فقال :
وَفِي الرِّقابِ فلا بد لهذا العدول من فائدة وهي أنّ الأصناف الأربعة الأول يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات على أنه ملك لهم، يتصرفون فيه كما شاؤوا. وأما المكاتبون فيوضع نصيبهم في تخليص رقبتهم من الرق، فكان الدفع إلى السادات محققا للصرف في الجهة التي من أجلها استحق المكاتبون سهم الزكاة، وكذلك القول في الغارمين يصرف المال إلى قضاء ديونهم، وفي الغزاة يصرف المال إلى إعداد ما يحتاجون إليه، وابن السبيل يعطي ما يعينه في بلوغ مقصده.
الصنف السادس : الغارمون أصل الغرم في اللغة اللزوم، ومنه قوله تعالى : إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الفرقان : ٦٥] والغريم يطلق على صاحب الدين، وعلى المدين لملازمة كل منهما صاحبه.
وأما الغارم فهو الذي عليه الدين، لأنه التزمه وتكفل بأدائه. ولم يختلف العلماء أن الغارمين هم المدينون، وأما قول مجاهد : الغارم من ذهب السيل بماله أو أصابه حريق فأذهب ماله فمحمول على أنه أراد من ذهب ماله وعليه دين. وأما من ذهب ماله وليس عليه دين فإنّه لا يسمى غريما، وإنما يسمى فقيرا أو مسكينا.
وظاهر الآية أن المدين يعطى مطلقا سواء أوجد وفاء لدينه أم لا، وسواء استدان لنفسه أم لغيره، وسواء أكان دينه في معصية أم لا.


الصفحة التالية
Icon