ص : ٤٦٧
وأجاب الجمهور بأن الحج يسمى سبيل اللّه ولكن الآية محمولة على الغزو لما ذكرناه.
وفسر بعض الحنفية سبيل اللّه بطلب العلم، وفسره في «البدائع» «١» بجميع القرب فيدخل فيه جميع وجوه الخير مثل تكفين الموتى، وبناء القناطر، والحصون، وعمارة المساجد، لأن قوله تعالى : وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ عام في الكل. وأيّا ما كان الأمر فقد اشترط الحنفية للصرف في سبيل اللّه الفقر.
وقال الشافعية يعطي الغازي مع الفقر والغنى، للخبر الذي ذكرناه في الغارم، ويعطى ما يستعين به على الغزو من نفقة الطريق وما يشتري به السلاح والفرس، فإن أخذ ولم يغز استرجع منه.
الصنف الثامن : ابن السبيل ابن السبيل الذي يعطى من الصدقة : هو الذي يريد السفر في غير معصية فيعجز عن بلوغ مقصده إلا بمعونة. قال العلماء : وإنما يعطى ابن السبيل بشرط حاجته في سفره، ولا يضر غناه في غير سفره، فيعطى ما يبلغ به مقصده. فإن كان سفره في طاعة كحج وغزو وزيارة مندوبة أعطي بلا خلاف.
وإن كان سفره في معصية لم يعط بلا خلاف، لأنّ ذلك إعانة على المعصية.
وإن كان سفره في مباح كرياضة فللشافعية فيه وجهان :
أحدهما : لا يعطى، لأنه غير محتاج إلى هذا السفر.
الثاني : يعطى، لأنّ ما جعل رفقا بالمسافر في طاعة جعل رفقا بالمسافر في مباح كالقصر والفطر.
مسألة : هذه مسألة تشترك فيها الأصناف السابقة كلها : قال الرافعي «٢» نقلا عن أصحاب الشافعي : من سأل الزكاة وعلم الإمام أنه ليس مستحقا لم يجز له صرف الزكاة إليه، وإن علم استحقاقه جاز الصرف إليه بلا خلاف، ولم يخرّجوه على الخلاف في قضاء القاضي بعلمه، مع أن التهمة هاهنا مجالا أيضا للفرق بأن الزكاة مبنية على الرّفق والمساهلة، وليس فيها إضرار بمعين، بخلاف قضاء القاضي.
وإن لم يعرف حاله فالصفات قسمان : خفية وجلية.
فالخفي : الفقر والمسكنة. فلا يطالب مدعيه ببينة لعسرها، فلو عرف له مال وادعى هلاكه لم يقبل إلا ببينة.

(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني بيروت، دار الكتب العلمية (٢/ ٤٥ - ٤٦).
(٢) عبد الكريم بن محمد القزويني، شيخ الشافعية في زمانه، كان له مجلس في قزوين، وتوفي منها سنة (٦٢٣ ه)، ينتهي نسبه إلى رافع بن خديج الصحابي، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٥٥).


الصفحة التالية
Icon