ص : ٤٦٨
وأما الجلي فضربان :
أحدهما : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل، وذلك في الغازي وابن السبيل، فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين، ثم إن لم يحققا ما ادعيا، ولم يخرجا استردّ منهما ما أخذا. وإلى متى يحتمل تأخير الخروج؟ قال السرخسي : ثلاثة أيام، قال الرافعي : ويشبه أن يكون هذا على التقريب، وأن يعتبر ترصده للخروج، وكون التأخير لانتظار أو للتأهب بأهب السفر ونحوها.
الضرب الثاني : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال، وهذا الضرب يشترك فيه بقية الأصناف، فالعامل إذا ادعى العمل طولب بالبينة، وكذلك المكاتب، والغارم، وأما المؤلف قلبه فإن قال : نيتي ضعيفة في الإسلام قبل قوله، لأن كلامه يصدقه، وإن قال : أنا شريف مطاع في قومي طولب بالبينة.
قال الرافعي : واشتهار الحال بين الناس قائم مقام البينة في كل من يطالب بها من الأصناف، لحصول العلم أو الظن بالاستفاضة اه من «مجموع» النووي «١» بتصرف.
وقوله تعالى : فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ بعد قوله : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ إلخ جار مجرى قوله فرض اللّه الصدقات لهؤلاء فريضة، فهو زجر عن مخالفة هذا الظاهر، وتحريم لإخراج الزكاة عن هذه الأصناف وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم حَكِيمٌ لا يشرع إلا ما فيه الخير والصلاح للعباد.
قال اللّه تعالى : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤)
ذكر في تفسير قوله تعالى : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة : ٨٠] ما رواه البخاري «٢» وغيره عن ابن عمر حين أراد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يصلي على عبد اللّه بن أبي.
ونسوق الحديث بتمامه هنا لأنّ فيه ذكر السبب في نزول هذه الآية :
قال ابن عمر رضي اللّه عنهما : لما توفي عبد اللّه بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال : يا رسول اللّه أتصلّي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلّي
(٢) رواه البخاري الصحيح (٥/ ٢٤٦)، ٦٥ - كتاب التفسير، باب اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ حديث رقم (٤٦٧٠).