ص : ٤٧٢
متى أخذ من صنف واحد فقد قضى عهده الآية، وكذلك يقتضي ظاهر اللفظ، أنه لا يجزئ أخذ القيمة.
والمقدار المأخوذ مجمل هنا، قد وكل اللّه بيانه إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. وأكثر الآيات التي ذكر اللّه فيها إيجاب الزكاة ذكرت في مواضع من كتابه بلفظ مجمل مفتقر إلى البيان في المأخوذ والمأخوذ منه، ومقادير النّصب، ووقت الاستحقاق، فكان البيان فيها موكولا إلى بيان السنة، وبعض الآيات نصّ اللّه فيها على الصنف الذي تجب فيه الزكاة، فيما نصّ اللّه تعالى عليه من أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة الذهب والفضة بقوله : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة : ٣٤] ومما نص عليه زكاة الزرع والثمار في قوله جل شأنه : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ إلى قوله : كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام : ١٤١] وبينت السنة سائر الأموال التي تجب فيها الزكاة :
مثل عروض التجارة والإبل والبقر والغنم السائمة على إختلاف الفقهاء في بعض ذلك.
وظاهر قوله تعالى : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أنّه يجب على الإمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق، وبهذا أخذ داود وأهل الظاهر. وأما سائر الأئمة فقد حملوا الأمر هنا على الندب والاستحباب، قالوا : وإن ترك الدعاء جاز، لأنّ
النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمعاذ :«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتردّ في فقرائهم» «١»
ولم يأمره بالدعاء لهم، ولأنّ الفقهاء جميعا متفقون فيما لو دفع المالك الزكاة إلى الفقراء أنّه لا يلزمهم الدعاء، فيحمل الأمر على الاستحباب قياسا على أخذ الفقراء.
وأما صيغة الدعاء فلم يرد فيها تعيين إلا ما
رواه الستة «٢» غير الترمذي من قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«اللهم صلّ على آل أبي أوفى»
ومن هنا قال الحنابلة وداود وأهل الظاهر : لا مانع أن يقول آخذ الزكاة اللهم صل على آل فلان، وقال باقي الأئمة :
لا يجوز أن يقال : اللهم صل على آل فلان، وإن ورد في الحديث، لأنّ الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم، كما أنّ
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٧٥٦)، كتاب الزكاة، ٥٤ - باب الدعاء، حديث رقم (١٧٦/ ١٠٧٨)، والبخاري في الصحيح (٢/ ١٥٦)، ٢٤ - كتاب الزكاة، ٦٤ - باب صلاة الإمام حديث رقم (١٤٩٧).