ص : ٥١
والآية تفيد الحصر، فظاهرها إثبات التحريم لما ذكر من الحيوان، ونفيه عما عداه ويؤكد ذلك ما جاء في آية الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً [الأنعام : ١٤٥]، وهذا الظاهر تعارضه أحاديث كثيرة وردت في تحريم السباع، والطير، والحمر الإنسية، والبغال.
فقد ورد عن أبي ثعلبة الخشنيّ أنه قال :«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع» رواه البخاري ومسلم «١».
وروى مالك عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«أكل كلّ ذي ناب من السّباع، وكلّ ذي مخلب من الطّير حرام» ذكره أبو داود «٢».
وروي عن جابر أنه قال :«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة، وأذن في لحوم الخيل» «٣».
الأحكام
ولما كان هذا التعارض بين ظاهر الآية وهذه الآثار اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا فروي عن مالك أنه يكره لحوم السباع. والشافعي، وأبو حنيفة وأحمد يحرّمونها. وروي ذلك عن مالك أيضا، وجوز قوم أكل سباع الطير، وحرّمها آخرون.
وذهب الجمهور إلى تحريم الحمر الإنسية، وروي ذلك عن مالك، وروي عنه أيضا أنه يكرهها، وحرّم الجمهور البغال، وكرهها قوم، وهو مروي عنه.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى تحريم الخيل، وذهب الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد : إلى إباحتها، فالذي يذهب إلى حل شيء مما ذكر يستند إلى الآية، ويذهب إلى عمومها، ويحمل الحديث على نهي الكراهة، أو يبطله لمكان معارضته للآية.
والذي يذهب إلى تحريم شيء مما ذكر يستند إلى الحديث الوارد في التحريم، وينسخ به الآية، أو يرى أنه لا معارضة، ويرى أن الحصر في هذه الآية وآية الأنعام إضافي، بالإضافة إلى ما كانوا يعتقدون حرمته من البحائر. والسوائب، وما إليها.
وكان مقتضى النظر أن من يذهب إلى أن الحصر في الآية حقيقي - ولم يشأ أن
(٢) هذا الحديث رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٥٣٤)، ٣٤ - كتاب الصيد، ٣ - باب تحريم أكل كل ذي ناب حديث رقم (١٦/ ١٩٣٤).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٦/ ٢٨٥)، ٧٢ - كتاب الذبائح، ٢٨ - باب لحوم الحمر الإنسية حديث رقم (٥٥٢٤)، ومسلم في الصحيح (٣/ ١٥٤١)، ٣٤ - كتاب الصيد، ٦ - باب في أكل لحوم الخيل حديث رقم (٣٦/ ١٩٤١).