ص : ٥٣
عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه، وطفا، فلا تأكلوه» «١».
أما المالكية فقد رأوا أن
حديث «أحلت لنا ميتتان»
ضعيف، ومهما اختلفوا في جواز تخصيص القرآن بالسنة فقد اتفقوا على أنه لا يجوز تخصيصه بحديث ضعيف، ورأوا أن الحديث الثاني والثالث صحيحان، فخصّصوا بهما الكتاب، وأحلوا بهما السمك، وبقي الجراد الميت على تحريم الميتة، لأنه لم يصح فيه شيء عندهم.
ومن لا يجيز تخصيص القرآن بالسنة يرى أن الذي خصص ميتة السمك قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ [المائدة : ٩٦] فأما صيده فهو ما أخذ بعلاج، وأما طعامه فهو ما وجد طافيا أو جزر عنه البحر.
وقد ذهب أبو حنيفة إلى تحريم الجنين الذي ذبحت أمّه وخرج ميتا استنادا إلى أنّه ميتة، وحرمت الآية الميتة، وقد خالفه في ذلك صاحباه والشافعيّ وأحمد، وذهبوا إلى حله، لأنه مذكى بذكاة أمه.
وذهب مالك إلى أنه إن تمّ خلقه ونبت شعره، أكل، وإلا لم يؤكل.
والحجة لهم ما ورد من
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«ذكاة الجنين ذكاة أمه»
وهو يفيد أن ذكاة أمه تنسحب عليه.
وقد قال من ينتصر لأبي حنيفة : إنّ الحديث كما يحتمل ما ذهبتم إليه، يحتمل معنى آخر، هو : أن ذكاته كذكاة أمه، فيكون على حدّ قوله :
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولكنّ عظم السّاق منك دقيق
وإذا احتمل ذلك فلا يخصّص الآية.
ويبعد هذا أنّ الحديث ورد في سياق سؤال،
فقد ورد عن أبي سعيد، أنه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الجنين يخرج ميتا، فقال :«إن شئتم فكلوه، إنّ ذكاته ذكاة أمّه» «٢».
وقد اختلف في الانتفاع بدهن الميتة في غير الأكل، كطلاء السفن ودبغ الجلود، فذهب الجمهور إلى تحريمه، واستدلوا بالآية، لأنهم يرون أن الفعل المقدر هو الانتفاع بأكل أو غيره، وبما
روي عن جابر، قال : لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكة، أتاه أصحاب الصليب - وهو الودك الذي يستخرج من العظم - الذين يجمعون الأوداك، فقالوا : يا رسول اللّه، إنّا نجمع

(١) رواه أبو داود في السنن (٣/ ٣٧٠)، كتاب الأطعمة، باب في الطافي من السمك حديث رقم (٣٨١٥).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٣/ ١٨)، في كتاب الأضاحي، باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث رقم (٢٨٢٧)، والترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٦٠)، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث رقم (١٤٧٦).


الصفحة التالية
Icon