ص : ٥٤
هذه الأوداك، وهي من الميتة، وعكرها إنما هي للأدم والسفن؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«قاتل اللّه اليهود، حرّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها»
فنهاهم عن ذلك «١»، وهذا يفيد أن تحريم اللّه إياها على الإطلاق يفيد تحريم بيعها.
وقد ذهب عطاء إلى أنه يدهن بشحوم الميتة ظهور السفن، ولعل حجته أن الآية إنما هي في تحريم الأكل، بدليل سابقها، وأن حديث شاة ميمونة «٢» يعارض حديث جابر، فوجب أن يرجح، لأنه موافق لظاهر التنزيل.
وأما الدم فقد ورد هنا مطلقا، وورد في سورة الأنعام [١٤٥] مقيّدا بالمسفوح وحمل العلماء المطلق على المقيد، ولم يحرّموا منه إلا ما كان مسفوحا، وورد عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت : لو لا أن اللّه قال : أَوْ دَماً مَسْفُوحاً لتتبّع الناس ما في العروق.
وقد ذهب الحنفية والشافعية إلى تخصيص الدم المحرم
بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«و أحلت لنا ميتتان ودمان»
وذكر الكبد والطحال. والحق ما ذهب إليه مالك من أنه لا تخصيص لأن الكبد والطحال ليسا لحما ولا دما بالعيان والعرف.
وأما الخنزير فقد ذهب بعض الظاهرية إلى أن المحرم لحمه، لا شحمه، لأنّ اللّه قال : وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وقال الجمهور : إنّ شحمه حرام أيضا، وهو الصحيح، لأن اللحم يشمل الشحم.
فأما ما أهلّ به لغير اللّه. فقد نقل ابن جرير أن أهل التأويل اختلفوا فيه. فمنهم من قال : ما ذبح لغير اللّه. ونقله عن قتادة ومجاهد «٣» وابن عباس، ومنهم من قال :
ما ذكر عليه غير اسم اللّه، ونقله عن الربيع «٤» وابن زيد «٥».
وفيه خلاف آخر وهو : أهذا يشمل ذبائح النصارى التي ذكروا عليها اسم المسيح فتكون محرمة، أم لا يشملها فلا تكون محرمة، بل هو خاص بما ذكر عليه اسم الأصنام؟
بالأول قال أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، والشافعي، ومالك، ونقل عنه الكراهة.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي المقرئ المفسّر أخذ التفسير عن ابن عباس توفي (١٠٤ ه) انظر الأعلام للزركلي (٥/ ٢٧٨).
(٤) الربيع بن أنس بن زياد المروزي انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (٦/ ٣٧٩) ترجمة (٩١٠).
(٥) عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي القرشي توفي (٦٣ ه)، انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٣٠٧).