ص : ٥٥
وبالثاني قال عطاء «١»، ومكحول «٢»، والحسن والشعبي، وسعيد بن المسيّب، وأشهب «٣» من المالكية.
وسبب اختلافهم : أنه وردت هذه الآية، ووردت الآية وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة : ٥] وكلاهما يصح أن تخصّص الأخرى، فيصح أن يكون المعنى :
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ما لم يذكر اسم غير اللّه عليه، بدليل : وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ويصحّ أن يقال : وما أهل به لغير اللّه إلا ما كان من أهل الكتاب. بدليل قوله : وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ. فمن ذهب إلى الأول حرّم ذبيحة الكتابي إذا ذكر عليها اسم المسيح، ومن ذهب إلى الثاني أجازها، ويمكن أن يرجّح الثاني بأن الآية نزلت في تحريم ما كان تذبحه العرب لأوثانها، وتكون في معنى قوله : وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة : ٣].
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.
الباغي في اللغة : الطالب لخير أو لشر، وخص هنا بطالب الشر.
العادي : المجاوز ما يجوز إلى ما لا يجوز، وقد اختلف بالمراد بالباغي والعادي هنا : فذهب مجاهد وابن جبير «٤» إلى أن الباغي هنا : الخارج على الإمام، المفارق للجماعة. والعادي : قاطع السبيل. وقال قتادة والحسن وعكرمة «٥» : إنّ الباغي : آكل الميتة فوق الحاجة، والعادي : آكلها مع وجود غيرها. فعلى القول الأول : لا يجوز للخارج على الإمام ولا لقاطع السبيل إن اضطرا أن يأكلا من الميتة. ولكن يعترض على ذلك بأن بغي الباغي وعدوانه لا يبيحان له قتل نفسه بترك أكل المحرم عند الاضطرار.
وقد اختلفوا في المضطر، أيأكل من الميتة حتى يشبع. أم يأكل على قدر سد الرمق؟
ذهب مالك إلى الأول، لأن الضرورة ترفع التحريم فتعود الميتة مباحة. ومقدار الضرورة من حالة عدم القوت إلى حالة وجوده. وهو حينئذ لا يحمل قوله تعالى :

(١) ابن أسلم بن صفوان بن أبي رباح تابعي، ولد في اليمن وتوفي في مكة، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٢٣٥).
(٢) ابن أبي مسلم، أبو عبد اللّه، من حفاظ الحديث وتوفي بدمشق، انظر الأعلام للزركلي (٧/ ٢٨٤). [.....]
(٣) أشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المصري، المالكي فقيه الديار المصرية، انظر الأعلام للزركلي (١/ ٣٣٣).
(٤) سعيد بن جبير الكوفي قتله الحجاج سنة (٩٥ ه). تابعي وهو حبشي الأصل، انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٩٣).
(٥) ابن عبد اللّه البربري المدني مولى ابن عباس تابعي كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٢٤٤).


الصفحة التالية
Icon