ص : ٦٠
المسلم بالذمي ما رواه الطحاوي عن محمد بن المنكدر، أن النبي عليه الصلاة والسلام أقاد مسلما بذمي، وقال :«أنا أحق من وفّى بذمته» «١»
وقد روي عن عمر وعلي قتل المسلم بالذمي
، وقال علي : إنّا أعطيناهم الذي أعطيناهم لتكون دماؤهم كدمائنا، ودياتهم كدياتنا.
وأما
حديث :«لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» «٢»
فله ضروب من التأويل أحسنها : أن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل بذحل «٣» الجاهلية.
فقال عليه الصلاة والسلام :«ألا إنّ كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدميّ هاتين، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده»
يعني بالكافر الذي قتل في الجاهلية، فيكون ذلك تفسيرا
لقوله :«كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين»
ويكون
قوله :«و لا ذو عهد في عهده»
في معنى قوله : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ [التوبة : ٤] وقد ذكر علماء الأصول تأويلات يمنعنا خوف الإطالة من ذكرها.
وآيات القصاص عامّة في كل قاتل قتل عمدا، ولكن وردت أحاديث تفيد تخصيصها، فمن ترجّحت عنده واشتهرت، خصص بها الآية.
فمن ذلك ما
روي عن عمر قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«لا يقتل والد بولده»
. وفي رواية عنه أيضا «لا يقاد الأب بابنه» «٤»
، وقد حكم بذلك عمر أمام جمع من الصحابة من غير نكير، فكان في منزلة الخبر المستفيض، فجاز أن يخصّص الآية، وقد أخذ به أبو حنيفة والشافعي.
وروي عن مالك أنه إذا ظهر منه قصد القتل كأن أضجعه وذبحه قتل به، وإن رماه بسلاح أدبا، أو خنقه لم يقتل به.
وقد اختلف العلماء : أتقتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله أم لا؟ فذهب أكثر فقهاء الأمصار : مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور «٥» وغيرهم إلى أنه تقتل الجماعة بالواحد قلّت الجماعة، أو كثرت.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) الذحل : الثأر، العداوة والحقد، انظر لسان العرب لابن منظور (١١/ ٢٥٦).
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ١٢)، كتاب الديات، باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه حديث رقم (١٤٠٠، ١٤٠١).
(٥) إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، الفقيه صاحب الإمام الشافعي توفي (٢٤٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (١/ ٣٧).