ص : ٦١
وروي عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا «١».
وقال داود «٢» وأهل الظاهر : لا تقتل الجماعة بالواحد، واستند إلى ظاهر الآية، لأنها شرطت المساواة والمماثلة، ولا مساواة بين واحد والجماعة. وإلى قوله :
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة : ٤٥].
وجمهور الفقهاء نظروا إلى المعنى : وهو أنّ الشارع شرع القصاص لحفظ الأنفس، وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ولو علم الناس أن الجماعة لا تقتل بالواحد لتمالأ الأعداء على قتل عدوهم، وبلغوا مرادهم من قتله، ونجوا من القود بالاجتماع. والآية لا تدل على أن الجماعة لا تقتل بالواحد، لأنها جاءت في منع حميّة الجاهلية التي كانت تدعو القبيلة إلى أن تقتل بقتيلها من قتل ومن لم يقتل افتخارا، بل قد يؤخذ من الآية ما يدل للجمهور، لأن المراد بالقصاص قتل من قتل كائنا من كان، واحدا، أو جماعة.
وقد ذهب مالك والشافعي إلى أنّ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ يقتضي المماثلة في كيفية القتل، فيقتص من القاتل على الصفة التي قتل بها. فمن قتل تغريقا، قتل تغريقا، ومن رضخ رأس إنسان بحجر فقتله، قتل برضخ رأسه بالحجر. واحتجوا
بحديث أنس «أنّ يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر، فرضخ النبيّ رأسه بحجر» «٣».
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المطلوب بالقصاص إتلاف نفس بنفس، والآية لا تقضي أكثر من ذلك. فعلى أيّ وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف. واستدلوا
بحديث النعمان بن بشير قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا قود إلا بالسّيف» «٤»
وقالوا :
قد ورد عن عمران بن حصين وغيره أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«نهى عن المثلة» «٥»
وقتله بما قتل به قد يؤدي إلى المثلة، وقد ورد عن شداد بن أوس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة» «٦»
فأوجب عموم لفظه
(٢) داود بن علي بن خلف الأصبهاني أبو سليمان الملقب بالظاهري توفي (٢٧٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (٢/ ٣٣٣).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٦/ ٢١٥)، ٦٨ - كتاب الطلاق، ٢٤ - باب الإشارة في الطلاق حديث رقم (٥٢٩٥)، ومسلم في الصحيح (٣/ ١٢٩٩)، ٢٨ - كتاب القسامة، ٣ - باب ثبوت القصاص في القتل حديث رقم (١٥/ ١٦٧٢). [.....]
(٤) رواه ابن ماجه في السنن (٢/ ٨٨٩)، كتاب الديات، باب لا قود إلا بالسيف حديث رقم (٢٦٦٧).
(٥) رواه البخاري في الصحيح (٦/ ٢٨٤)، ٧٢ - كتاب الصيد، باب ما يكره من المثلة حديث رقم (٥٥١٦).
(٦) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٥٤٨)، ٣٤ - كتاب الصيد، ١١ - باب الأمر بإحسان الذبح حديث رقم (٥٧/ ١٩٥٥).