ص : ٦٣٦
قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى الستور، وأغلق الباب، فلها الصداق كاملا، وعليها العدة، دخل بها أو لم يدخل.
هذا وقد اختلف علماء الحنفية بعد الاتفاق على وجوب العدة بالخلوة، فمنهم من يقول : إنّها واجبة قضاء وديانة، وإنّه لا يحل للمرأة أن تتزوج بزوج آخر قبل أن تعتدّ ما دامت الخلوة بالأول صحيحة، ولو من غير وقاع. ومنهم من يقول : إنّه يحل لها ذلك متى كان الزوج لم يواقعها، فأما في القضاء فلا اعتبار إلا بالظاهر.
وظاهر الآية أيضا أنه لا عدة على المرأة المدخول بها إذا طلّقها زوجها رجعيا، أو أبانها بينونة صغرى ثم راجعها، أو عقد عليها قبل انقضاء عدتها، ثم طلقها قبل أن يمسها، إذ إنّ هذا الطلاق الثاني يصدق عليه أنه طلاق قبل المس، وبذلك قال أهل الظاهر. فليس عليها عدة جديدة للطلاق الثاني لأنّه طلاق قبل المس، كما أنّه ليس عليها أن تكمّل العدة الأولى، لأنّ الطلاق الثاني قد أبطل الطلاق الأول. ثم يكون لها نصف الصداق في صورة البينونة، والوجه فيه ظاهر.
وقال بعض الفقهاء ومنهم عطاء والشافعي في أحد قوليه : إنّه يجب على المرأة في الصورتين أن تبني على عدة الطلاق الأول، وليس عليها أن تستأنف عدة جديدة، إذ الطلاق الثاني لا عدة له، ولكن لا ينبغي أن يبطل ما وجب بالطلاق الأول، فإنّه طلاق بعد دخول، يجب أن تراعى فيه حكمة الشارع في إيجاب الاعتداد، وعلى الزوج نصف الصداق في صورة البينونة، كما يقول أهل الظاهر.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي : أنّه يجب على المرأة أن تستأنف عدة جديدة في الصورتين، لأنّ الطلاق الثاني - وإن كان لم يفصل بينه وبين الرجعة أو العقد الثاني مسّ ولا خلوة - لا يصدق عليه أنه قد حصل قبل الدخول على الإطلاق، إذ المفروض أنّ المرأة كان مدخولا بها من قبل، وعلى الرجل في صورة البينونة مهر كامل لهذا الاعتبار.
وأما المالكية فإنّهم يفرقون بين صورتي الرجعيّ والبائن.
فيقولون في الأولى : إنّه يجب على المرأة أن تستأنف عدة كاملة، إذ أنّها في حكم الموطوءة بعد المراجعة.
أما في صورة البائن فإنّ النكاح بعد البينونة عقدة جديدة، فالطلاق بعدها يصدق عليه أنه طلاق قبل الدخول، فلا يوجب عدة، لكنّه لا يصحّ أن يهدم ما وجب على المرأة بالطلاق، فعليها أن تكمل العدة الأولى، ولها على المطلّق نصف المهر. فهم يوافقون أبا حنيفة في صورة الطلاق الرجعي، فيوجبون عدة كاملة، ويخالفونه في صورة البائن فيوجبون نصف المهر، وإكمال عدة الطلاق الأول.