ص : ٦٤
قال اللّه تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) كُتِبَ عَلَيْكُمْ فرض عليكم.
الخير : ضد الشر، والمراد به هنا : المال، وقد ورد في القرآن كثيرا بمعنى المال، قال تعالى : وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة : ٢٧٢] وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) [العاديات : ٨] إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص : ٢٤].
الوصية : القول المبين لما يستأنف عمله. وهي هنا مخصوصة بما بعد الموت وهي كذلك في العرف.
المعروف : ضد المنكر، وليس المراد بقوله : إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وقت حضور الموت ومعاينته، لأنّ هذا الوقت لا يعي فيه المرء ما يقول، بل المراد علامات الموت وأماراته، وذلك كالمرض المخوف.
وقد اختلف في ذلك المال الذي كتبت فيه الوصية. فقيل : هو الكثير، وقيل :
أيّ مال قليلا كان أو كثيرا. والأولون اختلفوا، فقيل : هو الكثير غير محدود.
وبعضهم حدّده. واختلفوا في التحديد، فعن ابن عباس : إذا ترك سبعمائة درهم، فلا يوصي، فإن بلغ ثمانمائة درهم أوصى.
وعن قتادة : ألف درهم، وعن عائشة : أن رجلا قال لها : إني أريد أن أوصي.
قالت : كم مالك؟ قال : ثلاثة آلاف. قالت : كم عيالك؟ قال : أربعة. قالت : قال اللّه إِنْ تَرَكَ خَيْراً وإنّ هذا الشيء يسير، فاتركه لعيالك، فهو أفضل، والظاهر قول من قال : إن المراد المال مطلقا، قليلا، كان أو كثيرا. لأن اسم الخير يقع على قليل المال وكثيره، ولم يخصّ اللّه منه شيئا دون شيء.
وهذه الآية قد دلّت على وجوب الوصية، واختلف العلماء فيها : أهي منسوخة أم محكمة لم تنسخ؟ وجمهور العلماء على أنها منسوخة. قال الشافعي رضي اللّه عنه ما معناه : إن اللّه تعالى أنزل آية الوصية، وأنزل آية المواريث، فاحتمل أن تكون الوصية باقية مع الميراث، واحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصايا. وقد طلب العلماء ما يرجّح أحد الاحتمالين، فوجدوه في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
فقد روى عنه أصحاب المغازي أنه قال عام الفتح :«لا وصيّة لوارث» «١»
وهو وإن كان خبر آحاد إلا أن العلماء تلقته بالقبول، وأجمعت العامة على القول به.