ص : ٦٥١
قال اللّه تعالى : لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢) لا يزال الكلام متصلا في خطاب الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في شأن أزواجه، فلا تبحث عن الربط. و(بعد) في قوله : مِنْ بَعْدُ ظرف مبني على الضم لحذف المضاف إليه.
وقد اختلف في تعيين هذا المحذوف على ثلاثة أقوال ترجع في الحقيقة إلى اثنين.
١ - روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنّه قال : المراد من (بعد) من عندك من النساء اللواتي اخترنك على الدنيا، ويكون ذلك قصرا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم على أزواجه مجازاة لهنّ، وشكرا على هذا الاختيار، كما قصرهن اللّه عليه إكراما له في قوله :
وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.
٢ - روي عن أبي بن كعب رضي اللّه عنه أنه قال : المراد من (بعد) من أحللنا لك في الآية المتقدمة، وهن الأصناف الأربعة.
٣ - روي عن مجاهد أن المعنى : لا يحل لك نكاح غير المسلمات.
وهذا الرأي الأخير في الحقيقة يرجع إلى الثاني، لأنّ المروي عن أبيّ يدل عليه، إذ ليس في الأصناف التي أحلّت للنبي غير مسلمة، فيكون ما روي عن مجاهد داخلا في الذي روي عن أبيّ، ويكون المعنى : لا يحل لك من عدا من آتيت أجورهن، وقرابتك المؤمنات. المهاجرات وما ملكت يمينك ومن وهبت نفسها إليك.
ويقول ابن العربي «١» : ويقوى في النفس قول ابن عباس، واللّه أعلم كيف وقع الأمر.
وسيأتي لنا كلام في هذا عند الكلام على آراء العلماء في نسخ الآية.
وقد اختلف العلماء أيضا في قوله تعالى : وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ فروي عن ابن عباس أنّ المراد : لا يحلّ لك أن تطلّق أحدا من أزواجك لتنكح غيرها.
وروي عن مجاهد أن المعنى : لا يحل لك أن تبدل المسلمة التي عندك بمشركة، ونقل عن ابن زيد أن المعنى : لا تعطي زوجك بدلا من زوج رجل آخر.
أما قول مجاهد فهو مبنيّ على رأيه في صدر الآية، ولو تأملت وجدت صدر الآية مغنيا عنه على حسب تأويله هو، فإنّ صدر الآية معناه عنده : لا يحل لك نكاح غير المسلمات، وذلك يقتضي تحريم العقد عليهن مطلقا، سواء أكان العقد مبتدأ، أم على وجه الإتيان بالمشركة بعد اطراح المسلمة من العصمة، وحينئذ يخلو وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ من الفائدة.

(١) انظر أحكام القرآن للإمام ابن العربي (٣/ ١٥٥٩).


الصفحة التالية
Icon