ص : ٦٦
وابن جرير الطبري ذهب في «تفسيره» «١» إلى هذا القول فقال في تفسير الآية : فرض عليكم أيها المؤمنون الوصيّة إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً والخير : المال لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الذين لا يرثون بِالْمَعْرُوفِ وهو الذي أذن اللّه فيه وأجازه في الوصية، ما لم يجاوز الثلث، ولم يتعمّد الموصي ظلم ورثته حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ يعني بذلك فرض عليكم هذا وأوجبه وجعله حقا واجبا على من اتقى اللّه فأطاعه أن يعمل به.
فإن قال قائل : أو فرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون؟ قيل : نعم. وقد نقل مثل ذلك عن جماعة من العلماء منهم : الضحّاك «٢» فقد كان يقول : من مات ولم يوص لذي قرابته فقد ختم عمله بمعصية، ومنهم مسروق «٣» فقد حضر رجلا فأوصى بأشياء لا تنبغي، فقال له مسروق : إن اللّه قسم بينكم فأحسن القسم، وإنه من يرغب برأيه عن رأي اللّه يضلّه، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك، ثم دع المال على ما قسمه اللّه عليه.
وقد ذهب القائلون بأنها منسوخة إلى أنها تندب، وتكون في ثلث ماله، ومعنى قوله : بِالْمَعْرُوفِ بالعدل الذي لا وكس فيه ولا شطط، وقد بيّنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله لمن أراد أن يوصي :«الثلث والثلث كثير» «٤»
وقد روي عنه عليه صلوات اللّه أنه قال :«إنّ اللّه أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في أعمالكم».
قال اللّه تعالى : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) لما أوجب اللّه تعالى الوصية وجعلها حقا على المتقين، توعّد من غيّرها وبدّلها فقال : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ أي فمن غيّر ما أوصى به الموصي بعد ما سمع الوصية فليس على الموصي إثم، بل الإثم على مبدّل الوصية، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي سميع للوصية، عليم بما أوصيتم به، فلا تخفى عليه خافية من التغيير الواقع فيها، وعلى ذلك يكون المنهي عن التغيير هو : الشاهد، فلا يكتم شهادة ولا يغيّرها، والوصي فلا يغير الوصية، ولا يحوّر فيها. والورثة فلا يمنعون من أوصي لهم من حقّهم.
وقيل : إنه هو الوصي، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يوصون للأباعد،

(١) في تفسيره جامع البيان، المشهور بتفسير الطبري (٢/ ٦٨).
(٢) ابن مزاحم البلخي الخراساني، توفي (١٠٥ ه) مفسر، كان يؤدب الأطفال انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٢١٥).
(٣) ابن الأجدع بن مالك الهمداني توفي (٦٣ ه) تابعي، شهد حروب الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، انظر الأعلام للزركلي (٧/ ٢١٥).
(٤) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ١٠٢)، ٢٣ - كتاب الجنائز، ٣٤ - باب رثاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سعد بن خولة حديث رقم (١٢٩٥)، ومسلم في الصحيح (٣/ ١٢٥٠)، ٢٥ - كتاب الوصية، ١ - باب الوصية بالثلث حديث رقم (٥/ ١٦٢٨). [.....]


الصفحة التالية
Icon