ص : ٦٨٠
فإذا احتملها الإنسان وصبر عليها صحّ أن يقال فيه : إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
وأما اللجوء إلى القول بأن ذلك الضّرّ هو إعراض قوم أيوب عن دعوته فرارا مما رواه المفسرون من خرافات لا تصح، فهو ظنّ لا يغني من الحق شيئا.
فالقرآن الكريم في المواضع الأربعة التي جاء فيها ذكر أيوب لم يذكر فيها شيئا عن دعوته في قومه، ولا شيئا مما كان من قومه، ولو أنّ الذي أصاب أيوب من قومه في دعوته كان شيئا يصحّ أن يذكر لذكره اللّه في عبارة صريحة واضحة جلية، كما هو الشأن في الذين لقوا عنتا في سبيل دعوتهم، على أنّا لا نعتقد أنّ أحدا من الرسل لقي عنتا مثل الذي لقي إبراهيم ونوح وموسى.
لقد بلغ من عداوة قوم إبراهيم له أن قالوا : حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ [الأنبياء : ٦٨].
وبلغ من عناد قوم نوح أن قال فيهم : قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (٦) [نوح : ٥، ٦] وأن اضطر إلى أن يسأل اللّه : رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) [نوح : ٢٦، ٢٧].
وحتى ابنه كان في معزل عنه، ولم يستمع لأبيه حتى في طلب النجاة من الغرق.
ولم يكن شأن موسى مع قومه بأقلّ من هذا، فقد أخرجه عنادهم إلى التيه، كلّ هذا وغيره أصاب الأنبياء في دعوتهم، ولم يحك القرآن أن أحدا منهم قال : مسني الضر، ولا مسني الشيطان بنصب وعذاب.
وقد أمر اللّه نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولم يقل أحد :
إنّ أيوب كان من أولي العزم، مع أنّ اللّه يقول فيه : إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً ولقد كان صبر أيوب مضرب الأمثال، وأولو العزم من الرسل هم الذين أصابهم عنت معارضة الدعوى، فصبروا، وأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتأسّى بهم.
ترانا قد أطلنا في غير ما هو مقرّر علينا، ولكن جرّنا إليه أنّا أردنا أن نبيّن المخاطب في قوله تعالى : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ.
والضغث : في اللغة قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس. وقال ابن عباس :
وهو عثكال النخل.
والحنث : يطلق على الإثم، وعلى الخلف في اليمين، وعلى هذا فقد أمر اللّه أيوب أن يأخذ قبضة من حشيش، أو حزمة حطب، فيضرب بها، ونهاه أن يحنث.
وإذن لقد كان أيوب حلف ليضرب، وكان هذا الضرب مؤذيا وإذا تركه أيوب يكون حانثا مخالفا ليمينه، فنهاه اللّه أن يحنث، وأوجد له المخرج من إيقاع الذي