ص : ٦٩٧
قالوا : إليك، قال : ولم؟ قالوا : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنّك منعته الزكاة، وأردت قتله قال : لا والذي بعث محمدا بالحق، ما رأيته بتة، ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«منعت الزكاة، وأردت قتل رسولي؟» قال : لا والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا رآني، ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خشية أن تكون سخطة من اللّه عزّ وجلّ ورسوله، قال :
فنزلت الحجرات : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ.
ولم يختلف الذين رووا أسباب النزول في أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان الشخص الذي جاء بالنبإ، إنما اختلفوا في أسباب قوله، فمنهم من روى أنّه خاف وفرق حين رأى جماعة الحارث وقد خرجت في انتظاره، فظنها خرجت لحربه، ومنهم من
روى أنّه كان بينه وبينهم موجدة في الجاهلية، فجاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقال :
إنّهم قد تركوا الصلاة، وارتدوا، وكفروا باللّه، فلم يعجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وبعث خالد بن الوليد إليهم، وقال :«ارمقهم عند الصلاة، فإن كان القوم قد تركوا الصلاة فشأنك بهم، وإلا فلا تعجل عليهم».
وهنا يختلف الذين رووا سبب النزول مرة أخرى، فيروي بعضهم ما قدمنا من أنّهم قدموا، وقابلوا البعث حيث فصل من المدينة.
ويروي بعض آخر أنّ خالد بن الوليد رضي اللّه عنه خرج إليهم، ودنا منهم عند غروب الشمس، فكمن حيث يسمع الصلاة، فرمقهم، فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس، فأذّن ثم أقام الصلاة، فصلوا المغرب.
فقال خالد : ما أراهم إلّا يصلون، فلعلهم تركوا غير هذه الصلاة، ثم كمن حتى إذا جنح الليل وغاب الشفق أذّن مؤذنهم، فصلوا. فقال : فلعلهم تركوا صلاة أخرى، فكمن حتى إذا كان في جوف الليل تقدّم حتى أطل الخيل بدورهم، فإذا القوم تعلّموا شيئا من القرآن، فهم يتهجدون به من الليل، ويقرؤونه. ثم أتاهم عند الصبح فإذا المؤذن حين طلع الفجر قد أذّن ثم أقام، فقاموا فصلوا، فلما انصرفوا وأضاء لهم النهار إذا هم بنواصي الخيل في ديارهم، فقالوا : ما هذا؟ قال : خالد بن الوليد.
قال : يا خالد ما شأنك؟
فقال : واللّه أنتم شأني، أتي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل له : إنكم كفرتم باللّه وتركتم الصلاة، فجعلوا يبكون، فقالوا : نعوذ باللّه أن نكفر باللّه أبدا، فصرف الخيل وردّها عنهم، حتى أتى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل اللّه قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا «١».
وقد عرفت مرارا أنّ الآية تكون عامة، وإن نزلت على سبب خاص، ما دام

(١) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٦/ ٨٩).


الصفحة التالية
Icon