ص : ٦٩٨
لفظها عاما، وقد قال الحسن : فو اللّه لئن كانت نزلت في هؤلاء القوم خاصة إنّها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء.
والفاسق : الخارج من حدود الشرع، من قولهم : فسق الرطب : إذا خرج عن قشره، وسمي به الفاسق لانسلاخه عن الخير، والفسق أعمّ من الكفر، لأنه يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعورف فيما كان بكثيره، يكثر ما يقال لمن كان مؤمنا، ثم أخلّ بجميع الأحكام أو ببعضها.
والتبين : طلب البيان، وقد قرئ (فتثبتوا) بدل فَتَبَيَّنُوا وهما متقاربان، إذ التثبت طلب الثبات، وما كان ثابتا كان قريب المعرفة. ويرى بعض اللغويين أنّه لا يقال للخبر نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة، ويكون معنى الآية : إن جاءكم أيّ فاسق بنبإ عظيم، له نتائج عظيمة، فلا تقبلوه بادئ الأمر، بل توقّفوا فيه، وتثبتوا، حتى تأمنوا العاقبة.
والتعبير بكلمة (إن) التي هي (للشك) للإشارة إلى أنّ الغالب في المؤمن أن يكون يقظا، يعرف مداخل الأمور، وما يترتّب عليها، وإذ يكون هذا شأن المؤمنين فلا يجيئهم كاذب يكذب عليهم، وإن وقع ذلك يكون على ندرة وقلّة.
وقوله تعالى : أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ تعليل للأمر بالتبين، وهو إمّا مقدّر فيه لام التعليل قبل (إن) و(لا) النافية بعدها، أي فتبينوا لئلا تصيبوا، وإما مقدر فيه (الكراهة) أي كراهة أن تصيبوا. وقوله : بِجَهالَةٍ أي متلبسين بجهالة، أي جاهلين حالهم، أو تصيبوهم بسبب جهالتهم أمرهم وما هم عليه.
و(أصبح) هنا بمعنى (صار) والمعنى : فتصيروا من بعد تبيّن الأمر نادمين، ويستمر معكم هذا الندم.
والندم ضرب من الغم، وهو أن يلحق النادم الغمّ على ما وقع منه، يتمنى أنه لم يقع، وهو غمّ يصحب الإنسان صحبة لها دوام ولزوم، لأنه كلما تذكر فعله راجعه الندم.
وقد استدلّ بالآية على أنّ الفاسق أهل للشهادة، وإلا لم يكن للأمر بالتبين فائدة، قاله الآلوسي، وقال الأثري : إنّ العبد إذ شهد لا تقبل شهادته، ولا يحتاج فيها إلى التبيّن.
ومذهب الحنفية «١» أنّ الفاسق لا تقبل شهادته وإن كان أهلا لها، ولو قضى بها القاضي كان عاصيا، وينفذ قضاؤه، وتقبل شهادته عندهم في النكاح، لأنّ الشهادة من باب الولاية، وهو لمّا جاز أن يكون وليا على الزوجة في مالها، جاز أن يلي عليها في بضعها، وعبارته في النكاح عبارة، وتعبير عن ثبوت العقد لا إلزام فيها، ومن مذهبهم ألا تقبل الشهادة من الفاسق فيما فيه إلزام، والإلزام الذي في النكاح لم يجئ من الشهادة، وإنما جاء من التزام المتعاقدين في العقد.

(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ - ٢/ ١٣١).


الصفحة التالية
Icon