ص : ٧٠
لمصدر محذوف، أي كتابته مثل كتابته على الذين من قبلكم. وقيل : غير هذا.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ذكروا في معناها في هذا الموضع وجوها :
أحدها : أن الصوم يورث التقوى، لأنه يكسر الشهوة، ويقمع الهوى، ويردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهوّن لذات الدنيا.
الثاني : أن المعنى : ينبغي لكم بالصوم أن يقوى رجاؤكم في التقوى.
الثالث : أن المعنى : لعلكم تتقون اللّه بصومكم وترككم للشهوات، وأنت ترى أن المعاني متقاربة.
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ منصوب على الظرفية، وقيل : غير هذا، وقد اختلف العلماء في هذه الأيام : أهي رمضان أم غيره؟ قيل : إنها غير رمضان، وأنه كان قد وجب صوم قبل رمضان، ثم نسخ بآية : شَهْرُ رَمَضانَ إلى قوله : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة : ١٨٥] وهو مذهب معاذ. وقتادة. وعطاء. ومرويّ عن ابن عباس، ثم اختلف هؤلاء، فقال عطاء : هي ثلاثة أيام من كل شهر، وقال قتادة : بل هي ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء.
ثم إن هؤلاء اختلفوا أيضا. فقال بعضهم : إن هذا الصوم كان تطوعا، وقال بعضهم : بل واجبا، واتفقوا على أن هذا الصوم - على الخلاف في أنه تطوع أو فرض. وعلى الخلاف في مقداره - منسوخ بصوم رمضان، واستدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بوجوه :
الأول : ما
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«أنّ صوم رمضان نسخ كلّ صوم»
فدل هذا على أن صوما كان قبل رمضان ونسخ به.
الثاني : أن اللّه تعالى ذكر حكم المريض والمسافر هنا وذكره في آية فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فلو لم تكن الآية الأولى منسوخة بالثانية لكان تكرارا ينزّه عنه القرآن.
الثالث : أنّ قوله تعالى هنا : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يدلّ على أن هذا الصوم واجب على التخيير، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأعطى الفدية. وصوم رمضان واجب على التعيين. فواجب أن يكون صوم هذه الأيام غير صوم رمضان. ذلك مبلغ ما قالوا في التدليل لمذهبهم.
وذهب أكثر المحققين إلى أن المراد بهذه الأيام المعدودات شهر رمضان، وهو مذهب ابن عباس، والحسن، وأبي مسلم، وحاصله : أنّ اللّه سبحانه بيّن أولا أنه فرض علينا صوما كالذي فرضه على الذين من قبلنا، فاحتمل هذا أن يكون يوما، أو يومين، أو غير ذلك، فبيّنه بعض البيان بقوله : أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وكان ذلك أيضا


الصفحة التالية
Icon