ص : ٧٠٤
تظلموا عدوّهم لضعفه، بل يجب أن تعدلوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى.
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي اعدلوا، والزموا العدل في كل الأمور، فإنّ اللّه يحب المقسطين، فيجازيهم أحسن الجزاء.
سبب النزول : أخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير «١» وغيرهم في سبب نزول هذه الآية عن أنس رضي اللّه عنه قال : قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : لو أتيت عبد اللّه بن أبي، فانطلق إليه، وركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليه، قال : إليك عنّي، فو اللّه لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار :
واللّه لحمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد اللّه رجال من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فأنزل اللّه فيهم : وَإِنْ طائِفَتانِ.
وقيل : كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم متوجها لزيارة سعد بن عبادة في مرضه، فمر على عبد اللّه بن أبي بن سلول، فقال ما قال، فرد عليه عبد اللّه بن رواحة، فتعصّب لكل أصحابه، فتقاتلوا، فنزلت، فقرأها صلّى اللّه عليه وسلّم فاصطلحوا، وكان ابن رواحة خزرجيا، وابن أبي أوسيا.
وقيل : إنّها نزلت في رجل من الأنصار يقال له عمران، وكان تحته امرأة يقال لها :
أم زيد، وقد أرادت أن تزور أهلها، فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، فبعثت المرأة إلى أهلها، فجاء قومها، فأنزلوها لينطلقوا بها، واستعان الرجل بقومه، فجاؤوا ليحولوا بين المرأة وأهلها، فتدافعوا، وكان بينهم معركة، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأصلح بينهم، وفاؤوا إلى أمر اللّه «٢».
والخطاب في الآية الكريمة لولاة الأمور، والأمر فيها للوجوب، فيجب الإصلاح بالنصح، فإن أبت إحداهما إلا البغي، وجب قتالها ما قاتلت، فإن رجعت عن بغيها، والتزمت حكم اللّه تركت.
هذا وقد تمسّك جماعة بما جاء في سبب النزول، وقالوا : يقتصر في قتال الفئة الباغية على ما دون السلاح، ولا يجوز مقاتلتهم بالسلاح، وهو لا يصح أن يتمسّك به. فأنت تعلم أنّ اللّه قال : فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ وهو أمر بالمقاتلة إلى
(٢) انظر تفسير ابن جرير الطبري المسمى جامع البيان في تفسير القرآن (٢٦/ ٨١).