ص : ٧٠٥
الفيئة، فإذا كانوا لا يفيئون إلا بالسيف وجب قتالهم به، لأن الغرض من المقاتلة هو الفيئة، وهي لا تحصل إلا به، وقد وقع من الصحابة قتال البغاة بالسيف، وكفى بهم قدوة، ونزول آية عامة على واقعة خاصة لا يخصص العام، على أنّ القتال إنما شرع عند البغي قمعا للفتنة بين المسلمين، والمفروض أنّ العلاج قد استعصى بالنصح، ويراد اتخاذ علاج حاسم، فليترك الأمر لمن يباشر الحسم، فإن رأى أنّ الدواء يستأصل بما دون السلاح كان مسرفا في الزيادة، وإن رأى أنّ الفتنة لا تدفع إلا بالسلاح فعل حتى الفيئة.
واختلفت أقوال الفقهاء في أموال البغاة التي أخذت منهم أثناء قتالهم، فعن الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : أن أموالهم لا تكون غنيمة. وإنما يستعان على حربهم بكراعهم وسلاحهم عند الاستيلاء عليه، فإذا وضعت الحرب أوزارها ردّ المال عليهم، وكذا يردّ الكراع والسلاح إذا لم يبق أحد باغيا.
وروي عن أبي يوسف : أن ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع وسلاح فهو فيء يقسّم ويخمس، وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه.
وروي عن الإمام مالك رضي اللّه عنه : ما استهلكه الخوارج من مال ودم ثم تابوا لم يؤخذوا به، وما كان قائما بعينه ردّ، وهو مروي عن الأوزاعي والشافعي.
وقال الحسن بن صالح : إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا، وأخذ ما معهم، فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس، إلا أن يكون شيء قد علم أنّهم سرقوه من الناس، وعرف أصحابه، فإنّه يردّ عليهم.
وما استهلك من أموالهم أثناء التجمع للقتال، والتفريق عند وضع الحرب أوزارها، لا ضمان فيه بالإجماع.
وقد جاء في حديث أخرجه الحاكم «١» ما يوضّح الحكم في المسألة، فقد جاء فيه قال عليه الصلاة والسلام :«يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم اللّه فيمن بغى من هذه الأمة».
فقال : اللّه ورسوله أعلم. قال :«لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسّم فيئها».
وقد روى عكرمة بن عمار بسنده عن ابن عباس أنّ الخوارج نقموا على علي رضي اللّه عنه أنّه لم يسب ولم يغنم، فحاجّهم قائلا : أفتسبون أمّكم عائشة، ثم تستحلون منها ما تستحلّون من غيرها؟ فإن فعلتم لقد كفرتم.
وقد سئل أبو وائل : أخمّس علي أموال أهل الجمل؟ قال : لا.

(١) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢/ ١٥٥). [.....]


الصفحة التالية
Icon