ص : ٧٠٦
وإنما ذكر اللّه العدل في الإصلاح بعد الفيئة، لأنّ هذا وقت قد غلبت فيه الفئة الباغية على أمرها، ويغلب أن تظلم، وتصادر أموالها، وما أخذ منها لا يردّ إليها.
فالعدل وذكره هنا بمثابة أن يقال : لا يحملنّكم قهركم إياهم على ظلمهم، فهم طائفة من المؤمنين عصمت دماؤهم، وعصمت أموالهم، وما حصل منهم يكفي فيه قهرهم، وما نالهم من الهزيمة، فتكون الآية حينئذ ظاهرة في أنّه لا يجوز أسرهم بعد الفيئة، ولا يكون مالهم فيئا ولا يضمّنون شيئا.
قال اللّه تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) بيّن اللّه تعالى في الآية السابقة أنّه لو ظهرت بوادر القتال بين طائفتين من المؤمنين، فالواجب إصلاح ذات البين بالنصح والإرشاد، فإن جنحا للسلم، فقد كفى اللّه المؤمنين القتال، وإن جنحت إحداهما، وبغت الأخرى، فالواجب قتال الباغية حتّى تفيء إلى أمر اللّه، فإن فاءت ورجعت فالواجب الإصلاح بالعدل، لا يجهز على جريح، ولا يسبى أحد، ولا يقسم الفي ء، وهنا بيّن اللّه تعالى أنّ الإصلاح كما يجب بين الجماعات فهو واجب بين الأفراد، حتّى لا يظنّ ظانّ أنّ الإصلاح إنما يجب عند اختلاف الجماعات والطوائف، لأنّ اختلاف الجماعات شديد البلاء، يخشى منه على المسلمين أن تذهب ريحهم، ويتمكّن منهم عدوّهم. فأمّا إذا كان الخلاف بين فردين فليست له هذه الأهمية، فلا يجب الإصلاح، فدفعا لهذا الوهم قال اللّه تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وقد ذهب بعض أهل اللغة، إلى أنّ إخوة جمع الأخ من النسب، وأما الأخ بمعنى الصديق فجمعه إخوان، فجعل اللّه الإخوة في الإسلام إخوة في النسب، فأعطاها اسمها توكيدا لأمر المحافظة عليها، وإشارة إلى أنهم في الإسلام إخوة، وأن الإسلام ينتمون إليه كما ينتمي الإخوة إلى أبيهم.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
وزيادة في أمر العناية بالإصلاح بين الأخوين ذيّل اللّه الأمر به بالأمر بالتقوى، لأنّه لما لم يكن عاما فقد لا يخشى ضرره، فلا يتسارع الناس إلى إزالته، فقال : وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني واللّه أعلم : فأصلحوا بينهما، وليكن رائدكم في هذا الإصلاح تقوى اللّه وخشيته، والخوف منه، فالتزموا الحق العدل، ولا تحيفوا، ولا يكن منكم ميل لأحد الأخوين، فإنّهم إخوانكم، وليس أحدهما بالنسبة إليكم فاضلا والآخر مفضولا، إذ الذي جمع بينكم وبينهما الإسلام، وفي الإسلام تذهب الفوارق وتتلاشى.
الحصر (بإنما) يفيد أنّ أمر الإصلاح ووجوبه إنما هو عند وجود الإخوة في الإسلام، فأما بين الكفار فلا، وأما بين المسلم والكافر، فللمسلم علينا النصرة