ص : ٧٠٨
بالقوم الرجال. ويرى بعضهم أنّ القوم اسم خاصّ بالرجال لا يدلّ على النساء إلا من طريق التغليب، ومنه ما جاء في بيت زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
وكأنّ هذا المعنى يرجع إلى أنّ لفظ القوم مأخوذ من أنّ الرجل قوّام على المرأة، وهو في الأصل : إما مصدر بمعنى القيام، ثم استعمل في جماعة الرجال، وإما اسم جمع لقائم.
وقد جاء النهي عن السخرية موجها إلى جماعة الرجال والنساء، وإن كان حكم الفرد من الفريقين كذلك، جريا على ما كان حاصلا، وما هو الأغلب من وقوع السخرية في المجامع والمحافل. وما دامت علة النهي عامة، فهو يفيد عموم الحكم لعموم العلة.
وكلمة (عسى) في مثل هذا التركيب الذي أسندت فيه إلى (أن، والفعل) قيل :
تامة، لا تحتاج إلى خبر، و(أن) وما دخلت عليه في محل رفع على الفاعلية. وقيل ناقصة، وسد ما بعدها مسد جزءيها.
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا يعب بعضكم بعضا، وقد جعل اللّه لمز بعض المؤمنين لمزا للنفس، لأنهم كنفس واحدة، فمتى عاب المؤمن أخاه، فكأنّه عاب نفسه.
وقد ذكر اللّه في الآية النهي عن ثلاثة أشياء : عن السخرية، وعن اللمز، وعن التنابز بالألقاب.
أما التنابز بالألقاب : وهو التعاير بها، فمغايرته للسخرية واللمز ظاهرة.
وأما السخرية واللمز، فقد ذهب العلماء في المغايرة بينهما إلى وجوه، فمنهم من يرى أنّ السخرية احتقار الشخص مطلقا على وجه مضحك بحضرته، واللمز التنبيه على معايبه، سواء أكان على مضحك أم غيره، وسواء أكان بحضرته أم لا، وعلى هذا اللّمز أعم من السخرية، ويكون من عطف العام على الخاص، لإفادة الشمول.
ومنهم من يرى السخرية الاحتقار واللمز والتنبيه على المعايب، أو تتبعها، وهو يرى أنّ العطف من قبيل عطف العلة على معلولها. كأنّه قيل : لا يحقّر أحد لعيبه، وهذا الوجه لا يكاد يظهر له كبير معنى.
ومنهم من يرى أنّ اللمز خاص بما كان من السخرية على وجه الخفية، وعليه العطف من عطف الخاص على العام، مبالغة في النهي عنه، كأنه جنس آخر.
ويرى بعضهم أن المعنى : ولا تأتوا من الأفعال ما يكون سببا لأن يلمزكم الناس، ويكون المعنى لا يسخر أحد من أحد، ولا يفعلنّ أحد ما يقتضي أن يلمزه الناس.
وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ التنابز : التعاير، والتداعي بالألقاب، وخصّ في العرف


الصفحة التالية
Icon