ص : ٧٠٩ بالمكروه منها، وقد نقل عن العلماء النصّ على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء أكان صفة له، أم لأبيه، أم لأمه، أم لكلّ من ينتسب إليه.
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ تعليل للنهي، والاسم هنا المراد منه الذكر، والمراد : ذم أن يجتمع اسم الفسوق الذي يلحق الناس بسبب التنابز مع الإيمان، وذلك تغليظ شديد، حيث جعل التنابز فسقا، وفيه من التنفير منه ما لا يخفى.
وقيل : بل المعنى : لا ينسبن أحدكم غيره إلى الفسق الذي كان فيه بعد اتصافه بالإيمان، كأنّه قيل : لا تشهّروا بالناس بذكر ما كانوا عليه من فسق بعد ما حصلوا على الإيمان، ويكون ذلك نهيا عن أن ينادى من دخل الإسلام بصفته التي كان عليها، وقد استثني من النهي دعاء الرجل بلقب قبيح لا على سبيل الاستخفاف والإهانة، بأن يكون على قصد التمييز، كقول المحدّثين : سليمان الأعمش.
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي من لم يتب عما نهي عنه من الأمور الثلاثة فهو ظالم، وكأنه لا ظالم سواه، لأنه وضع العصيان موضع الطاعة، وعرّض نفسه للعذاب.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يقال اجتنب الشيء أي كان منه على جانب، ثم استعمل في التباعد مطلقا، فمعنى قوله تعالى : اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ تباعدوا عن كثير من الظن، وجيء بلفظ (كثير) منكّرا، ليحتاط فيه، فيكون بعيدا عن بعض الظن الذي هو إثم إذا ابتعد عن الكثير منه.
والظن أنواع : منه ما هو محرّم، ومنه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو مباح.
فالمحرم : كسوء الظن باللّه والعياذ باللّه. وسوء الظن بالمسلم مستور الحال، ظاهر العدالة،
فقد ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ باللّه عزّ وجلّ» «١».
وعنه أنه قال :«إيّاكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث» «٢».
وقد جاء في القرآن الكريم : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس : ٣٦] وقال اللّه تعالى : وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً [الفتح : ١٢] وفي الحديث :«إنّ اللّه تعالى حرّم من المسلم دمه وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء».

(١) رواه مسلم في الصحيح (٤/ ٢٢٠٥)، ٥١ - كتاب الجنة، ١٩ - باب الأمر بحسن الظن حديث رقم (٢٨٧٧).
(٢) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٦/ ٩٢).


الصفحة التالية
Icon