ص : ٧١٠
وعن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«من أساء بأخيه الظنّ فقد أساء الظنّ بربّه، إن اللّه تعالى يقول :
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ.
وقد قدمنا أنّ الممنوع إساءة الظن بالمسلم المستور ظاهر العدالة، وأما من يتعاطى الرّيب، والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم إساءة الظن به، فليس الناس أحرص منه على نفسه، وقد أمر أن يتجنب الريب، وألّا يقف مواقف التّهم، فمن وقف مواقف التهم اتّهم.
والظن الواجب : يكون فيما تعبّدنا اللّه تعالى بعلمه، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة التي تعبّدنا اللّه بها، وما غلب على ظنه فهو الذي تعبّدنا اللّه به. ومن ذلك قبول شهادة العدل، وتحرّي القبلة، وتقويم المستهلكات، وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها نصّ عن الشارع.
والمندوب من الظن : ظنّ الخير بالمسلم، وقد تقول : ما دام سوء الظن محرّما، فما بال حسن الظن مندوبا؟
ولكن إذا علمت أنّ هناك واسطة، وهو ألا يظن شيئا علمت أنّه لا يلزم التقابل في الحكم.
والظنّ المباح : قد مثّلوا له بالشك في الصلاة، وكأنهم يريدون من الظنّ استواء الطرفين، ومثّلوا له أيضا بالظن الذي يعرض في القلب، مما يوجب الريبة، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«إذا ظننتم فلا تحققوا»
أي لا توجدوا أثرا لهذا الظن.
وحرمة الظن بالناس إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدّى إلى الغير، وأمّا أن تظنّ شرا لتتقيه، ولا يتعدّى ذلك إلى الغير، فذلك محمود غير مذموم، وهو محمل ما
ورد من أنّ (من الحزم سوء الظن)
. و(احترسوا من الناس بسوء الظن)
. وما جاء في الحكم :(حسن الظنّ ورطة، وسوء الظنّ عصمة).
وقوله تعالى : إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل للأمر باجتناب الظنّ. والإثم الذنب الذي يستحقّ فاعله العقوبة عليه.
وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم، وتستكشفوا ما ستروه. والتجسس : تفعل من الجس، وهو بمعنى التحسس على ما قيل، وبعضهم يرى أنهما متغايران، وأن التجسس معرفة الظاهر، وبالحاء تتبع البواطن، وقيل :
بالعكس، والأمر مرجعه إلى اللغة. وقد عدّ العلماء التجسس من الكبائر. وقد أخرج أبو داود وغيره عن أبي برزة الأسلمي قال : خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال :«يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنّه