ص : ٧١١
من يتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته ومن يتّبع اللّه عورته يفضحه في بيته» «١».
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي لا يذكر بعضكم بعضا بما يكره.
أخرج مسلم وأبو داود والترمذي «٢» وغيرهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«أ تدرون ما الغيبة؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم. قال :«ذكرك أخاك بما يكره». قيل :
أفرأيت لو كان في أخي ما أقول؟ قال :«إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه».
ومعلوم أنّ المراد من هذا النهي النهي عن الإيذاء بتفهيم الغير معايب المغتاب، وذلك يتناول كلّ طرق الإفهام، وهو يتناول أيضا كلّ ما يكره، سواء في دينه أو دنياه، وفي خلقه أو خلقه، وفي ماله، أو ولده، أو زوجته، أو مملوكه، أو خادمه، أو لباسه، وخصّه بعضهم بما لا يذمّ شرعا من الصفات، فمن ذكر الزاني بأنّه زان لا يكون مغتابا، ولا يحرم عليه هذا الذكر عنده. واستدل لذلك
بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«اذكروا الفاجر بما فيه، يحذره الناس».
ولم يرفض الجمهور ذلك، وقالوا : الحديث ضعيف لا ينهض حجة : قال أحمد : وهو منكر، وقال البيهقي : ليس بشي ء، ولو صحّ فهو محمول على فاجر متهتّك يعلن فجوره وتهتكه.
ويرى بعضهم أنّ الذكر بالمكروه يحرم مطلقا في الغيبة والحضور، ونصّ بعض المفسرين على أنه المعتمد، ويكون التقييد بالغيبة خارج مخرج الغالب، إذ إنّ الغالب أن الناس تستحي من أن تذكر أحدا بمعايبه في حضرته.
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ هذا مثال ذكره اللّه تنفيرا من الغيبة، وتبعيدا منها، وهو مثل بالغ النهاية في تأدية المراد، قد وضّح فيه ما يصدر من المغتاب من حيث صدوره عنه، ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه تستقبحه العقول، وتنفر منه الطباع، وتنكره الشرائع، وقد ذكر المثل على سبيل الاستفهام التقريري، وهو لا يقع إلّا في كلام مسلّم عند السامع، حقيقة أو ادّعاء، وقد أسند في المثل الفعل إلى أحد إيذانا بأنّه لا يستقر في طبع أحد كائنا من كان أن يقدم على أن يأكل لحم إنسان، فضلا عن أن يحبه، وما بالك به إذا كان المأكول لحم أخيه؟ لا
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٤/ ٢٠٠١)، ٤٥ - كتاب البر، ٢٠ - باب تحريم الغيبة حديث رقم (٧٠/ ٢٥٨٩)، والترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٢٩٠)، كتاب البر، باب الغيبة حديث رقم (١٩٣٤)، وأبو داود في السنن (٢/ ٢٩٠)، كتاب الأدب، باب في الغيبة حديث رقم (٤٨٧٤).