ص : ٧٢٣
في حديث إسلام عمر أنّه قال لأخته : أعطوني الكتاب الذي تقرءون، فقالت : لا يمسه إلا المطهرون، فقام، واغتسل، وأسلم ومسّ المصحف.
وعن كثير من الصحابة أنهم كانوا يأمرون أبناءهم بالوضوء لمس المصحف.
وعن الحسن والنخعي كراهة مس المصحف على غير وضوء. ثم اسمع رأي الجصاص بعد أن نقل الخلاف الذي عرفت آنفا، قال أبو بكر «١» : إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند اللّه، والمطهرون الملائكة. وإن حمل على النهي وإن كان في صورة الخبر، كان عموما فينا، وهذا أولى، لما
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه كتب لعمرو بن حزم «و لا يمس القرآن إلا طاهر»
فوجب أن يكون نهيه هذا بالآية إذ هي تحتمله.
ولننتقل بعد ذلك للكلام في القسم وفاء بالذي وعدناك، وسيكون كلامنا في الموضوع من ناحيتين :
ناحية القسم من اللّه.
وناحية بمواقع النجوم خاصّة لأنه معنا، ومن حقك أن تعرف وجه القسم بها، واختصاصها بالموضع الذي وردت فيه. فنقول :
قد رأيت أول ما كتبنا أنّا سقنا لك أنواعا من القسم الوارد في القرآن، فعرفت أنّه أقسم بذاته، وأنّه أقسم بأشياء غير الذات، ومنها القرآن الكريم، وأريناك أمثالا كثيرة فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الذاريات : ٢٣] يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) [يس : ١، ٢] وَالصَّافَّاتِ وَالطُّورِ (١) إلخ، وقد كان العلماء فرقتين في قسمه بغير ذاته، فمنهم من سلك طريق التأويل، وصرف العبارات عن ظاهرها، فقالوا مثلا يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) : أي وربّ القرآن الحكيم، وَالضُّحى (١) : ورب الضحى. وهلم جرا.
وزعموا أن الذي حملهم على هذا التأويل أنهم :
١ -
قد رأوا أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن الحلف بغير اللّه، وقال :«من كان حالفا فيحلف باللّه أو ليذر» «٢»
، والنهي يقتضي قبح المنهي عنه، فإذا ورد في الشرع ما ظاهره أنّه حلف بغير اللّه وجب تأويله، وردّه إلى أن يكون حلفا باللّه.
٢ - أنّ الحلف بالشيء يقتضي أن يكون المقسم به معظما، والتعظيم لا يكون إلا للّه، فوجب أن تحمل الأقسام على ذلك.
٣ - أنه قد ورد مصرّحا به على هذا النحو في قوله تعالى :
(٢) رواه النسائي في السنن (٧ - ٨/ ٧)، كتاب الأيمان، باب التشديد في الحلف حديث رقم (٣٧٧٣).