ص : ٧٢٤
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) [الشمس : ٥ - ٧] حيث جاء الحلف بالذات بعد الحلف بالسماء وبالأرض وبالنفس، فلا بدّ أن يكون القسم في الجميع على هذا المعنى.
أما الفرقة الأخرى من العلماء فذهبت إلى أنّ القسم وقع بأعيان الأشياء المقسم بها، وقد قالوا في الاحتجاج على صحة ما ذهبوا إليه :
١ - أن القسم هو بهذه الأشياء في الظاهر، والعدول عنه عدول عن الظاهر، ولا يكون إلا لدليل، وما ذكرتم لا يصلح دليلا، لأن ما منع من العباد لا يلزم أن يكون ممنوعا صدوره من اللّه. إذ المانع في حق العباد أن في القسم بغير اللّه تعظيما لذلك الغير، والعباد يجب ألا يشركوا مع اللّه أحدا في التعظيم. وهذا المعنى غير مدرك في جانب اللّه تعالى، فهو إذ يعظّم، فإنما يعظّم أشياء دانت له بالربوبية، ولا يمكن في العقل أن تتعاظم على من هي في قبضة يده وبسطة سلطانه.
وهو إذا يعرّف الناس بعظمتها، فإنما يرشدهم إلى عظمة خالقها، وأنه إذ يقسم بها فإنما يقسم لأنّ لها شأنا بديعا، ومنفعة عند العبد يدركها، وينتقل من إدراك إتقان صنعها إلى أنه لا بد أن تكون صادرة عن المدبر الحكيم، اللطيف الخبير، ثم هي فوق ذلك نعمة من نعمه على عباده، والحلف بها تذكير بالنعمة لتقابل بالشكر.
٢ - إنه قال تعالى : وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فأقسم بالسماء، ثم عطف عليها ما بناها، وذلك على طريقتكم قسم بالباني، فلو كان القسم على تقدير مضاف لتكرر القسم في الموضع الواحد من غير موجب، إذ يصير المعنى وباني السماء وبانيها، وطاحي الأرض وطاحيها، ومسوّي نفس ومسويها.
ومثل هذا ينزّه عنه القرآن الكريم.
ولو قلنا على طريقتنا إنّ هذا قسم بالسماء وببانيها، أو ببنايتها لم يلزم هذا المحذور، فتعيّن أن يكون القسم قسما بأعيان هذه الأشياء.
٣ - أنّه لا يبعد أن يقسم بهذه الأشياء تنبيها إلى شرفها، وما حوت من إبداع وإتقان، ليكون ذلك دليلا على عظمة خالقها، وأنّه إله واحد. ويكون ذلك من تضافر الحجج على المدعى الواحد، فهو قسم واستدلال بما في المقسم به من وجوه الدلالة المختلفة، ومن أجل ذلك نقول : لا داعي إلى التأويل، والقسم قسم بأعيان الأشياء وحقيقتها.
وهنا سؤال يتردّد كثيرا، حاصله أن يقال : ما فائدة القسم؟ والمخاطب أحد رجلين : مؤمن بالقرآن، ومكذب به، وما كان المؤمن محتاجا وهو مؤمن إلى قسم، فهو مصدّق من غير يمين. وإن كان من المكذبين الذين لم تغنهم الآيات والنذر، فكيف يصدّق لمجرد القسم بعد أن لم يؤثّر فيه الدليل؟